✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ السودان حلقة التوازن في القرن الأفريقي
يُعدّ القرن الأفريقي من أكثر مناطق القارة السمراء تعقيداً وتشابكًا في مصالحه وصراعاته. فمنذ قرونٍ طويلة، كان هذا الإقليم مسرحًا للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية، بدءًا من التوسع العثماني والبرتغالي مرورًا بالاستعمار الأوروبي وصولًا إلى الحروب الباردة والصراعات الحديثة. تتجدد النزاعات في هذا الإقليم مع تغيّر موازين القوى، سواء حول المياه أو الحدود أو النفوذ السياسي والاقتصادي. وبينما تتبدل الأسماء والأطراف، تبقى جذور الصراع ثابتة في صلب الجغرافيا والمصالح، مما يجعل القرن الأفريقي بؤرة دائمة للتوتر ومحورًا حيويًا في معادلة الأمن الإقليمي والدولي.
يُعدّ السودان أحد أهم مفاتيح الاستقرار في معادلة القرن الأفريقي، فهو يمتلك موقعًا جغرافيًا فريدًا يربط بين قلب إفريقيا والبحر الأحمر، وبين الشرق والغرب من القارة. ومن خلال حدوده الطويلة مع إثيوبيا وإريتريا، ظل السودان لاعبًا محوريًا في إدارة التوازنات السياسية والأمنية في الإقليم.
فكلما اهتز السودان، ارتجّ معه ميزان القرن الأفريقي بأكمله، إذ تؤثر أزماته الداخلية على حركة اللاجئين، وتجارة الحدود، وأمن البحر الأحمر. وفي المقابل، فإن أي تصعيد أو نزاع في إثيوبيا أو الصومال ينعكس مباشرة على أمن السودان القومي.
ومع اندلاع الحرب الأخيرة في السودان، ازداد اهتمام القوى الإقليمية والدولية بمستقبل البلاد، لأن استقراره يعني استقرار الإقليم بأسره. لذلك، يبقى السودان حجر الزاوية في بناء منظومة القرن الأفريقي الآمن، إن وُجدت إرادة جماعية لإغلاق صفحة الصراع وفتح آفاق التعاون والتنمية.
في خضمّ العواصف التي تهبّ على القرن الأفريقي، يظل السودان القلب النابض الذي إن تعافى، تنفّس الإقليم كله. فاستقرار السودان ليس شأنًا محليًا فحسب، بل هو صمام أمان لجيرانه ومفتاح توازن لممرات البحر الأحمر وأمن إفريقيا الشرقية.
لقد أثبت التاريخ أن السودان، بما يملكه من عمق حضاري وروابط بشرية مع شعوب القرن الأفريقي، قادر على أن يكون جسرًا للتواصل لا ساحة للصراع.
ولعلّ دروس الماضي تُلهم قادة اليوم بأن مستقبل الإقليم لا يُبنى بالبندقية ولا بالتنافس على النفوذ، بل بالشراكة في التنمية، واحترام الجوار، وصناعة سلامٍ دائمٍ تُثمره إرادة الشعوب.
هكذا فقط يمكن أن يتحوّل القرن الأفريقي من ساحة "صراع قديم متجدد" إلى فضاءٍ من الأمل المتجدد والبناء المشترك. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل
