✍ عثمان الكباشي : نساء الفاشر ؛ إعادة تعريف قاموس البطولة
سيقف التاريخ طويلا لقرون قادمات أمام حكايات صمود مدينة الفاشر، سيروي بطولاتها التي فاقت المعهود من قصص صمود المدن المحاصرة في وجه عدوها
سيحتار المؤرخون أي قصص الفداء والتضحية والصبر أجدر بالتدوين والتحليل ، ذلك أن صمود الفاشر بحق كان نتيجة روح سرت في جميع أهلها، بجيشهم والمشتركة والمستنفرين والشعب الذي قاسم المقاتلين الشجاعة والصبر والثبات
قد تحفظ سطور التأريخ الانساني أساطير لنساء قدمن نماذج باهرة خالدة حفظتها وتناقلتها الذاكرة البشرية
من يعرف تلك الحكايات الخالدة يعرف بأن ما قدمته نساء الفاشر ، سيضاف حتما لحكايات البطولة النادرة الملهمة لنضال الشعوب وذاكرتها وحكاياتها لأجيال وقرون
إحداهن طبيبة شابة اسمها هنادي النور داؤود ، ظلت تعالج المرضى وتضمد الجراح وتسكت آهات الموجوعين وتزرع الأمل في الناس حتى وافتها الشهادة ، فسار بذكرها الركبان في السودان وخارجه
الثانية من سيدات المجتمع، اسمها سهام حسن حسب الله ، قدمتها دارفور لتمثيلها في البرلمان القومي كأصغر برلمانية في تاريخ البلاد ، فهى ابنتهم ومصدر ثقتهم في قدراتها القيادية
وحينما إشتد البأس وحمى الوطيس أوفت لأهلها وظلت في خدمتهم، تدير معهم اقتسام اللقمة ولو كانت علف الأمباز، ترفع الهمم ، تنظم وتعظم جهود المجتمع للتكافل في مواجهة المصيبة ، ظلت مرابطة فاعلة ناشطة في الخير حتى اغتالتها مليشيا الشيطان وهى على هذا الحال
والثالثة المراسلة الحربية آسيا الخليفة التي ظلت طوال سنوات الحرب والحصار تحمل كاميرا وآله تسجيل توظفها في خدمة الحقيقة وتوثق بها صمود الفاشر وبسالة جندها وجرائم المليشيا المخزية، فسطرت إسمها كأميز مراسلة حربية عرفها أهل السودان
ثلاثتهن وآلاف أمثالهن لا نعلمهن- الله يعلمهن - قمن بأدوار كانت السبب الرئيس لصمود المدينة تحت الحصار والقتال رغم الجوع ونقص المؤن ومعينات المعركة ، ولكن الطاقة المعنوية التي وفرتها هؤلاء النساء كانت هى الزاد حينما عز الزاد والعتاد وانخزل العالم كله عن نصرة أهل الفاشر رغم كل دعاوي النفاق العالمي وقرارات مجلس الأمن الدولي الهواء
اعلم - عزيزي القارئ الحصيف - أنه لا منظمات المرأة ولا جائزة نوبل للعمل الإنساني ولا كيانات ما يعرف بالصحافة العالمية ستذكر أمثال بطلات الفاشر ، اللائي أضفن معاني وحمولات ودلالات جديدة لقاموس مفردات: الصبر ، الصمود ، حب الأوطان ، الشجاعة، الفداء ، التضحية ، اليقين ...الخ
واجب السودانيين ماداموا يحفلون بقيم الوفاء والعرفان أن تظل سيرتهن حاضرة ترويها الجدات والأمهات وكتب المدارس وأفلام السينما وكتب الروايات والقصص ، تهدهد بها الأمهات اطفالهن وتؤانسهم بها أثناء وجبات الرضاعة ، مع حكايات فاطمة السمحة ورابحة الكنانية ومهيرة بنت عبود وفاطمة بنت جابر
الوفاء والصدق يقتضي أن يضرب بهن المثل ، فكما كانت العرب تقول لأهل الكرم المفرط : أكرم من حاتم الطائي ، اعتبارا من يوم شهادتهن إن كنا من أهل الوفاء والصدق أن نضيف لصيغ المبالغة لمن فاق مثالات القيم : أشجع من آسيا الخليفة وأنبل من د. هنادي وأرحم من سهام .
لله دركن ماجدات الفاشر الخالدات


