✍ أحلام محمد الفكي : جرسُ الإنذارِ يدقُّ ؛ سيادةُ الوطنِ ليستْ لعبة !
في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة تتشابكُ فيها خيوطُ الأملِ والألم، يصبحُ الحديثُ عن سيادةِ الوطنِ وحمايتِها من أيِّ تدخلٍ خارجيٍّ ليس مجردَ خيار، بل واجبٌ مقدَّسٌ. ها هي السلطاتُ السودانيةُ ترفعُ رايةَ الحزم، وتتخذُ قراراً مصيرياً يعكسُ إرادةً فولاذيةً لا تقبلُ المساومة: طردُ بعضِ المنظماتِ الدوليةِ وإبلاغُها بأنها غيرُ مرغوبٍ فيها، ومنحُها مهلةَ الـ 72 ساعةً لمغادرةِ البلاد.
هذا القرارُ ليسَ ردةَ فعلٍ عابرة، بل هوَ إعادةُ نظرٍ جذريّةٌ في خريطةِ العملِ الأجنبيِّ على أرضِ السودان، خاصةً ونحنُ نمرُّ بـوضعٍ دقيقٍ لا يسمحُ بالتهاونِ أو التراخي.
قناعُ الإنسانيةِ وسيفُ التدخل:
لقد نشطتْ وتوافدتْ المئاتُ من المنظماتِ الدوليةِ إلى السودانِ منذُ الثمانينات، تحتَ شعارِ المساعدةِ الإنسانيةِ وإغاثةِ النازحين. لكنَّ التاريخَ القريبَ والبعيدَ يخبرنا بمرارة، أنَّ وجودَ بعضِ هذهِ المنظماتِ كانَ نذيرَ شؤمٍ وجالبًا لـكوارثَ كبرى على البلاد.
بيتُ القصيدِ يكمنُ في تجاوزِ الخطوطِ الحمراءِ للسيادة. لم يعدْ سراً أنَّ بعضَ الجهاتِ تلبسُ عباءةَ الإغاثةِ بينما تمارسُ تدخلاً سافراً في الشؤونِ الداخلية، يصلُ إلى حدِّ دعمِ المليشياتِ المشاغبةِ وبذرِ بذورِ الشقاقِ والفتنةِ في النسيجِ الوطنيِّ الواحد. إنها محاولاتٌ خبيثةٌ لـتفتيتِ الوحدةِ الوطنيةِ وإضعافِ الدولةِ من الداخل.
لا يُمكنُ أنْ نغضَّ الطرفَ عن حقيقةٍ مُرعبة أنَّ بعضَ المنظماتِ الدوليةِ والسفاراتِ قد تُستخدَمُ كـغطاءٍ شرعيٍّ لعملياتِ التجسسِ وجمعِ المعلوماتِ الاستخباراتية. الأمنُ القوميُّ فوقَ كلِّ اعتبار، ولا يمكنُ أنْ يتحولَ ترابُ الوطنِ إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لتبادلِ المعلوماتِ التي تهددُ سلامةَ البلادِ واستقرارَها.
لذا، أصبحَ لزاماً على السلطاتِ السودانيةِ أنْ تُجريَ مراجعةً شاملةً ودقيقةً لعملِ كلِّ منظمةٍ وسفارة، خاصةً تلكَ التي انتشرتْ في الولاياتِ الشماليةِ ونهرِ النيلِ والجزيرةِ والنيلِ الأبيضِ، وهي مناطقُ تُعتبرُ شريانَ الحياةِ للبلاد، بعيداً عن صخبِ الصراعاتِ التقليدية.
يجبُ أنْ نكونَ مُنصِفينَ وبُلغاءَ في حكمنا؛ إنَّ هذا النقدَ الموجَّهَ لا ينطبقُ على جميعِ المنظماتِ الدولية. فهناكَ بالفعلِ أيدٍ بيضاءُ تعملُ بجدٍّ وتفانٍ لتعزيزِ المصالحِ الإنسانيةِ والتنمويةِ بـنوايا صادقةٍ واحترامٍ كاملٍ للسيادةِ الوطنية. وهؤلاءِ يجبُ أنْ يُكرَّموا ويُدعَموا.
لكنْ، في مواجهةِ منْ يُحاولونَ تحويلَ العملِ الإنسانيِّ إلى خنجرٍ مسمومٍ، يصبحُ الحذرُ واليقظةُ هوَ درعُ الوطنِ وسلاحُه الأمضى.
إنَّ السيادةَ الوطنيةَ ليستْ مجردَ حدودٍ جغرافية، بل هيَ كرامةٌ وهويةٌ وتاريخ. والمرحلةُ الحاليةُ تتطلبُ منا جميعاً أنْ نكونَ عيناً ساهرةً على مصالحِ الوطنِ العليا، ونقفَ صفاً واحداً خلفَ كلِّ قرارٍ يعيدُ للدولةِ هيبتَها ويصونُ كرامتَها.


