رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

خاص : رؤية جديدة الفاشر .. غزة السودان

الفاشر

مدينة نزفت حتى الموت

كانت الفاشر مدينةً عامرة بالحياة رغم الهجمات والقصف المدفعي ورغم المسيرات، تضجّ بالناس والنازحين والأطفال الباحثين عن فسحة أمان أو لقمة طعام وسط الحرب والحصار الطويل الذي أنهك المدينة ولم ينل من شرفها وشموخها.

ولكن مع دخول مليشيا الدعم السريع إليها، تحولت المدينة إلى مساحة من الخراب، وتغيّر وجهها تماماً، تحوّلت اليوم إلى رمادٍ ممتدّ، وسكونٍ مهيب كأنه يودع أرواح أهلها الأبرياء الصاعدة للسماء.

الناس الذين اعتادوا الصبر على كل مآسي الحرب طيلة فترة الحصار، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام الموت، من دون ذنب أو إنذار.

لحظة السقوط

عندما اجتاح القتلة المرتزقة المدينة، لم يميزوا بين مدني وعسكري. وتحدثت التقارير عن إعدامات ميدانية في الشوارع، وقتلٍ عشوائي استهدف النساء والأطفال وكبار السن، وعن نهبٍ واسعٍ للمنازل والمستشفيات.

الذين حاولوا الهرب سقطوا في الطريق، والذين بقوا داخل بيوتهم أصبحوا محاصرين بالنار والخوف.

مشاهد الجثث على الطرقات لم تكن صورا أو مقاطع فيديو عابرة يوثق فيه المجرم جرمه بلا وازع أورادع أو خوف، بل كانت حقيقةً استمرت أيّاماً، في مدينةٍ تركها كل العالم بلا استثناء لمصيرها.

تقول التقارير إن المدينة عاشت أيّاماً تشبه القيامة؛ قتلٌ بلا تمييز، واغتصابٌ يُعلن نفسه في العلن، ونهبٌ يسلب من الناس أعز ما يملكون.

إن ما جرى في الفاشر بلا شك هي جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية، فهل بعد كل هذا سنسمع صوتا للعدالة الدولية؟!

شهادات من الداخل

شهود عيان وصفوا ما جرى بأنه “إبادة عرقية مقصودة”، فقد قال أحد الناجين:

"من خرج من بيته لم يعد، ومن بقي بداخله مات لا محالة."

وفي أطراف المدينة، امرأةٌ هاربة تحكي بحسرة:

"خرجتُ أبحث عن ابني، وجدته ممدّداً على الأرض، لم أستطع حتى أن أغمض عينيه." خوفها في تلك اللحظة كان أكبر من الحزن.

ورجلٌ فقد زوجته وأطفاله قال:

"لم يبقَ لي بيت ولا جار. صرتُ غريباً بدون أهل."

كل شهادةٍ من الفاشر هي خنجر جديد في قلب الذاكرة، وكل نجاةٍ هي معجزة صغيرة في زمنٍ بلا معجزات.

تلك الشهادات، التي وثقتها منظمات محلية ودولية، تكشف أن الفاشر أصبحت عنواناً لواحدة من أسوأ المآسي الإنسانية في الحرب الحالية.

غزة السودان

لم تجد الفاشر صدى كافياً في الإعلام الدولي أو في ضمير العالم رغم الحصار والموت، بعض الناجين يقولون إن ما حدث في الفاشر فاق غزة وجعاً؛ في إشارة إلى حجم الدمار واستهداف المدنيين، ولأن المدينة عاشت حرب إبادة داخل حدودها؛ فقد قُتل الناس لا لشيء سوى لأنهم ظلّوا في بيوتهم، ولأنهم لم يجدوا سبيلاً للفرار.

إنها حربٌ بلا أخلاق، يسقط فيها كل بريء ويُستباح كل شيء، ويظلّ الصمت الدولي سلاح الجناة الأول، إن الفاشر اليوم تمثل مرآة لوحشية العالم حين ينسى إنسانيته، وفيها يتقاطع الدم مع الغبار، والدموع مع الغياب، والأمل مع الرماد.

وستظل جثامين الشهداء هناك، حتى يعرف العالم أن الفاشر لم تمت.. بل ذُبحت واقفة.

ما وراء الأرقام

بحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، فإن المدنيين يشكلون الغالبية العظمى من الضحايا.

كما دعت منظمات حقوقية إلى تحقيق دولي ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الإبادة التي إرتكبتها مليشيا الدعم السريع الإرهابية في الفاشر.

الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة سودانية أحرقت وابيد إنسانها، بل هي شهادة دامغة على عجز العالم عن حماية الأبرياء، سيظل صوتهم وصرخاتهم وحدها من يكتب السطر الأخير من حكاية الفاشر، مدينة قاومت حتى الرمق الأخير، وصرخت فلم يُسمع صوتها، لكنها غيرت كل خرائط الوجع في السودان، وباتت الفاشر جرحاً مفتوحاً على قسوة لا تُحتمل.