رؤية جديدة السودان

د. مزمل أبو القاسم... يكتب : الوِلَيد الضال (1)

د. مزمل أبو القاسم
-


*في لقاءٍ له مع (قناة الجزيرة مباشر) ادعى الدكتور الوليد مادبو أن الجيش السوداني حاله كحال الدعم السريع، وأنه يمثل مليشيا غير مسئولة، ظلت تقتل السودانيين وتشعل الحروب منذ خمسينات القرن الماضي!
*وعندما فاجأه الأستاذ أحمد طه (مذيع قناة الجزيرة) بسؤالٍ مباغتٍ عن انتماء والده لتلك المؤسسة بتقلده منصب وزير الدفاع وإشرافه على تلك المؤسسة في عهد سابق (كأصغر وزير للدفاع في تاريخ السودان عام 1967) لحس صاحبنا كلامه وتراجع عنه من فوره، وقال إن الجيش يمثل (مؤسسةً وطنيةً ذات نكهة قومية، ضمت قيادات عسكرية بارزة، وكان فيها قادة محترفون يخضعون لإرادة وطنية، وفيها الخيرون وأنها تتأثر سلباً أو إيجاباً بالمناخ السياسي، وأن الجيش ما زال يضم ضباطاً وطنيين لديهم قدر كبير من النزاهة الأخلاقية)، فانظر ماذا قال عن الجيش بدءاً، وكيف استدار ونكص على عقبيه ليلحس كلامه عندما دخل (حوشه) ومسّ حوضه!!
*وبسذاجةٍ لا يحسد عليها لخص الوليد مشكلة الجيش في وجود ثلاثة ضباط فقط في قيادته، قاصداً البرهان والكباشي وياسر العطا، وطالب بتنحيهم ووصفهم (بالثلاثي المرح) بصفاقةٍ لا نستغربها فيه، فأي تناقض ذاك وأي منطق سقيم، يجعل هذا الوليد يقول الشيء ونقيضه عن أعرق مؤسسة وطنية في الدولة السودانية؟
*وصف الوليد الجيش بأنه (مجرد مليشيا تشعل الحروب وتقتل السودانيين) ساعياً إلى ذمه فذمَّ والده وأساء إليه من دون أن يدري، فأصبح حاله كحال من أصاب قدمه بسلاحه، ثم حاول أن يتدارك سقطته المريعة بسحب ما قال فوقع في حبال تناقض مضحك نسف حجته، وأبان هزال منطقه، وأوضح حقيقة منطلقاته الموغلة في الجهوية والعنصرية.
*تمنيت لو أن الزميل أحمد طه (دبّل ليهو) وسأله عن تولي والده الكريم منصب وزير الطاقة والتعدين في حكومة (الجلابة) برئاسة الإمام الصادق المهدي (رحمة الله عليه) في ثمانينات القرن الماضي، وعن ابتعاث والده الكريم إلى أمريكا لنيل درجة الدكتوراه، لنرى هل كان سيكرر (اليوتيرن) ثانيةً، ليلحس حديثه عن دولة الجلابة مثلما لحس حديثه المنكر عن الجيش، أم يستمر في نقده لها ويتمادى في تهديده الآثم لأهل الشمال بغزو أجنبي بجيشٍ قوامه أكثر من مائة ألف مرتزق أجنبي، يأتون من ليبيا لغزو الشمالية ونهر النيل والتنكيل بأهلها عن طريق مدينة الدبة!!
*كشف الدكتور الوليد مادبو (خبير الحوكمة المثقف المتعلم حامل درجة الدكتوراه) عن وجهٍ عنصري قبيح ونزعة دموية غير مسبوقة، لم نر لها مثيلاً حتى عند كبير القتلة حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو وعبد الرحمن جمعة (الملقب بسفاح الجنينة) وقجة وشيريا وجلحة ويأجوج ومأجوج وكرشوم وبعشوم وغيرهم من قادة المليشيات المجرمة، عندما نادى (باستئصال شأفة) واحدة من أكبر وأشهر قبائل السودان، بدعوة جاهلية لم يسبقه عليها أي متمرد في تاريخ السودان الحديث والقديم!
*خلال الحلقة ردّ الدكتور الوليد آدم مادبو على انتقادي له باتهامي بأنني (مَكْرِي)، أي مُرتشي، لمجرد أنني دافعت عن وطني وأهلي وانتقدت وقوفه ضد جيش بلاده وطعنه فيه وتهديده لأهله، علماً أن صاحبنا شدَّ الرحال إلى المنامة عاصمة البحرين ليجتمع مع المتمرد يوسف عزت من دون إعلان أثناء الحرب الحالية، وقد لاحظنا جميعاً كيف تغيرت لهجته، وكيف تبدل نهجه واعوجّ خطه ليصبح من غلاة الداعمين للمليشيات بقلمه ولسانه، وكيف انطلق لتهديد أهل الشمال بالموت الزؤام وكيف تفنن في ذم دولة الجلابة والنخب النيلية، وكيف انحطّ بنفسه عندما نادى باستئصال قبيلة كاملة لمجرد أنها تنتمي إلى الشمال، ليثبت صحة مقولة (القلم ما بزيد بلم).. فأينا الضال والمكري يا تُرى؟
*لو كان هذا الوليد منصفاً لما سمح لنفسه بالاستفراغ في الإناء الذي أكل فيه، لأن دولة 56 لم تقصر معه في شخصه، إذ وفرت له تعليماً نوعياً في أرقى المدارس الخاصة بالسودان، سيما وأنه لم ينتظم في أي مدرسةٍ حكوميةٍ داخل بلاده طيلة عمره، خلافاً لنا نحن أبناء الغبش الذين لم يتمرغوا في تراب الميري مثله، حيث درسنا كل مراحل التعليم الأساسي (الابتدائي والمتوسط والثانوي) في مدارس حكومية رثّة يغني حالها عن سؤالها، مع أنها كانت داخل مدينة شندي المتهمة عند العنصريين من أمثال الوليد مادبو ومن لف لفه وتعنصّر مثله بالهيمنة على خيرات دولة الجلابة والسيطرة على غالب الثروة والسلطة في السودان!
*درست أنا الصف الأول الابتدائي في مدرسة شندي الغربية، وكنا نجلس على الأرض ونفترش التراب لعدم توافر مقاعد ولا (كنَب) في المدرسة المذكورة وقتها، أما بقية المدارس فلم يكن بها مبرد ماء ولا حتى مروحة سقف ولا حمامات نظيفة، فأينا رتع من خيرات دولة 56 وأيَّنا تمرغ في نعيمها وذاق خيراتها؟
*لو كانت لدولة 56 عورةً ومنقصة فتتمثل في أنها وفرت لغالب قادة الإدارات الأهلية وأسرهم مكاسب جمة، وحياةً رغِدة، ومنحتهم فرصةً لتوفير تعليم نوعي لأبنائهم، فابتعثوهم للدراسة في أوروبا وأمريكا، تاركين بقية أبناء قبائلهم يرزحون في جهلٍ مطبق وفقر مدقع، كحال من يعيثون في بلادنا فساداً لأكثر من عام!
*من توعد أهل الشمالية بجيش من المرتزقة الليبين سار على الدرب الزلِق نفسه وتوعد أهل الفاشر قبل شهور من الآن بسقوط مدينتهم خلال عشرة أيام، وزعم أن القوات المسلحة مصنفةً في الفاشر (كمستوطِنة)، ولو صحَّ زعمه الأخرق فسيعني أن والده الكريم كان وزيراً لدفاع (الاستيطان)!!
*على الصعيد الشخصي لا أستغرب إمعان الوليد في الإساءة لي، بعد أن تورط سابقاً في الإساءة إلى الإمام الصادق المهدي رحمة الله عليه، واصفاً إياه بالكهنوت والطاغوت، كما خاض في سلوكه وأخلاقه، وأساء لأبنائه وعموم أسرته حتى اضطرّ البشرى للرد عليه بما يلزم!
*سبق للوليد مادبو أن كتب ما يلي: (عهدي بالرزيقات أن نساءهم لم يزل يمتن في الولادة من جراء الإهمال وأن 90% من أبنائهم لا يستطيعون مواصلة تعليمهم بعد الأساس تأثراً بالفقر)؛ فهلَّا خبرنا كيف تميز هو عنهم، وكيف حظي بتعليم نوعي في أوروبا وأمريكا بينما بقي أقرانه من أبناء عامة الرزيقات بلا تعليم ويرزحون تحت وطأة الفقر والعوز بشهادة شاهد من أهلهم، تمرّغ في نعيم دولة الجلابة دونهم؟
*ومن (الجليطات) المشهورة لخبير الحوكمة المزعوم قوله (إن قبيلة الرزيقات انتصرت على قبيلة الجعليين قبلاً، وأنهم -أي الرزيقات- قادرون على تكرار ذلك الانتصار الآن)، ناسياً أن الجيش الذي غزا المتمة على أيام (الكتلة) كان جيشاً للسلطة الحاكمة وليس جيشاً للرزيقات، وأنا وكما ذكر الأخ الصديق حسام عامر جمال الدين أستنكر أن ينسب الوليد تلك السقطة المنكرة إلى قبيلته، سيما وأن السلطة التي قتلت المدنيين بدم بارد وسبت النساء في المتمة وقتها قامت بإعدام ناظر قبيلة الرزيقات (مادبو علي) جهاراً نهاراً، وقطعت رأسه وعلقته في مدخل جامع الخليفة ليصبح عبرةً لكل من تسول أمل أبوالقاسم... تكتب :ضجيج "هنادى" بجسدها النحيل في مواجهة صمت سادات العالم
ترى إلى متى ستظل دارفور تنزف وجرحها كلما ادعت جهات تضميده ازداد غورا وتقيح صديدا؟. ظلت نكبة الإقليم تتسع مع تراكم السنين عليها، ففي كل عام تزداد أوجاعها وتفقد إنسانها تحت وطأة الاقتتال بدوعى عدة حتى وصلنا إلى يومنا هذا لتستكمل الحرب ما بدأه آخرون وتدور عليهم دائرة البغى والعدوان مجددا دون ذنب جنوه سوى أنهم من نسل أدمن بعض مستنريه وساسته التكسب على جسده وروحه وإنسانيته.


منذ أن تفتق وعينا ونحن نسمع بحروب دارفور ومشاكلها رغم اتفاقات عديدة جرت على مد التأريخ، ورغم معاهدات السلام وغيرها مما من شأنه ترميم وضعها وانسنتها، والعيش بسلام وأمن لكن هيهات. والآن الحرب الزوؤم تقضى على ما تبقى منهم بينما من اتخذوا الحياد موقفا ينظرون للأمر كأنه لا يعنيهم، كيف لا وقد قبضوا الثمن رخيصا رغم ضخامة أرقامه.


وقف انصاف الرجال من بعض قادة حركات ومنشقين موقف سيحفظه لهم التأريخ وهم يسترخصون دماء أبناء جلدتهم من اهل دارفور والسودان أجمع، وهم يتواطؤن مع العدو ضد شعب كامل واقليم جريح، يشاركون في التهجير وينظرون لذلك ببرود تلذذ.


ودونكم زمزم وما ادراك ما زمزم . معسكر شردت ساكنيه وآخرين ويلات الحروب التى لم ترحم صغيرا ولا كبيرا شيخا أو إمرأة. ثم وبعد أن استقر بهم المقام فيه وسط ظروف سيئة بدعم من بعض المنظمات. أتت الحرب لتعيدهم لذات المآسي بعد سيطرة المليشيا المتمردة عليه، مخلفة عشرات القتلى والثكلى، فكان حصادهم من الأذى أكثر من ذي قبل.


هجرت المليشيا واعوانها من بعض حركات دارفور مواطني الفاشر وزمزم واجبرتهم على الخروج وفي الطريق عانوا ما عانوا من ذل، ونهب، وانتهاكات جنسية تحت مرمى بصر وسمع ذوى الضحايا، بل تحت نظر عبد الواحد نور، و قواته تنظر إليهم دون تحرك ساكن.


وبينما انصاف الرجال من أشباه عبد الواحد نور، وسليمان صندل، والحلو من جهة أخرى يتمرغون في أموال الإمارات على حساب تمريغ انوف مواطنيهم في التراب، وقفت صبية يافعة نحيلة تمسك بسكين وبعزم الرجال الأشداء تشهر بها في وجه الأعداء وتعبر بها عن حواء السودان وسيدات دارفور، كيف لا وقد جبلت المرأة الدارفورية على الهمة والعزيمة وتفوقت على الرجل في عدد من الأمور.


هنادى "بت الفاشر" لله درك يا صنديدة، لله درك وانت تقاتلين إلى جانب القوات المشتركة التي ضربت أروع مثل في الشجاعة والوفاء فكنتى إلى جانبهم الأخت، والأم ، والطبيبة المداوية التي لم تتخلف عن أي ركب خرج مدافعا أو مهاجما العدو حتى اتتك الشهادة طائعة كما تشتهي.. لقد اخجلتي الرجال يا بنت جنسي، واصبحت مصدر فخرنا وملهمة ومحفزة وانت تلهبي حماس الجميع. كنتي أيقونة حرب الفاشر وانت تزودين عنها رغم رجاءات الخروج وستظلين علامة فارقة وشامخة وانت تسطرين بأسمك في التأريخ بحروف من نور تهدى خلفك للطريق القويم.


وقفت الدكتورة هنادى (بت الفاشر ) كالطود الشامخ في وجه المليشيا بينما انزوى رجال بايعوا الإمارات على هدم الوطن، وبينما صمت العالم صمت القبور حيال ما يجري في الفاشر وزمزم والطريق منها إلى طويلة التي قادهم إلى محرقتها عبد الرحيم دقلو؛ والهادي إدريس وغيرهم تحت ذريعة حمايتهم ثم ظلوا يرقبونهم كيف يحترقون.


إلى متى سيخرج العالم والمنظمات من صمتهم وجلباب الإدانات المهترئ؟ إلى متى سيظلوا يصرحون ويغلظون منها احيانا دون تحرك فعلي؟ إلى متى سنسمع للجعجعة دون أن نرى الطحين.


دارفور تحترق وجزء كبير من السودان انسلخ جلده وتشوه جراء فعل المليشيا ورعاتها ونحن ما زلنا لعامين نسمع ونسمع دونما سواه .. متى يا سادات العالم ستفعلوا وتفعلوا حيال السودان واقليم دارفور؟ متى ستعاقبون المليشيا واعوانها؟ متى ستدينوا رعاتها؟ أم أصبح السواد الأعظم منكم متواطئا؟ الهذا الحد تؤثر الإمارات على البعض الكثير وتخرس لسانه؟ ترى كم هو الثمن؟ نفسه معارضتها.. فعن أي قبيلة وأي نصرٍ يتحدث هذا الوليد الضال؟
نواصل