رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : السودان ؛ هل حكومة ”الأمل” ستطرد شبح الأنانية أم نغرق؟

-

بعد ساعات وبعد شهر سيعلن رئيس الوزراء السوداني ملامح حكومة الأمل ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل ستكون هذه الحكومة بالفعل بصيص أمل أم أنها ستغرق في دوامة الصراعات والأنانية التي لطالما ابتلي بها السودان؟

هل قُدّر للسودان أن يظل أسيرًا لدائرة مفرغة من الصراعات الداخلية والأنانية الطاغية، التي تشلّ قدرته على النهوض، حتى مع منح رئيس الوزراء صلاحيات كاملة؟

هذا التساؤل المرير يطرح نفسه بقوة بينما تتكشف فصول المشهد السوداني المليء بالتنافس المحموم على المناصب، وسباق الأحزاب والحركات لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية ضيقة.

صدى مقولة كرومر: حقيقة قاسية أم تحدٍّ تاريخي؟

ما يشهده السودان اليوم يعيد إلى الأذهان وبقوة المقولة اللاذعة للورد كرومر، الحاكم البريطاني الذي غادر السودان بعد استقلاله، حين قال: "اليوم نغادر بلدكم، ولكنكم لن تستطيعوا أن تحكموه لأن كل شخص يريد لنفسه، نحن الإنجليز عكسكم تمامًا." كلمات قاسية، نعم، ولكنها تعود لتطل برأسها مع كل تطور سياسي واجتماعي، لتلقي بظلال الشك على قدرة السودانيين على إدارة شؤونهم بأنفسهم، بعيدًا عن الأجندات الضيقة.

عندما تضيع بوصلة الوطن

المشهد يزداد قتامة، فالكل يسعى لدخول "الوزارة"، لا لخدمة الوطن ورفعته، بل لتحقيق "حاجة في نفس يعقوب". مصالح شخصية ضيقة، أجندات حزبية متناحرة، ورغبات جامحة في السيطرة، كلها عوامل تلقي بظلالها على المشهد السياسي، وتجعل من فكرة الحكم الرشيد والقيادة الواعية حلمًا بعيد المنال.

الأحزاب والحركات المسلحة، التي يُفترض بها أن تكون صوت الشعب ودرعه الحصين، تبدو وكأنها فقدت بوصلتها الحقيقية. الكل يبحث عن "نصيبه"، بغض النظر عن مصلحة الوطن والمواطن. هذا الانجراف المقلق نحو المصالح الضيقة، وهذا التنافس غير البناء، يمزّق النسيج الاجتماعي ويهدد مستقبل البلاد برمتها. فكيف يمكن لدولة أن تنهض وتزدهر إذا كان أبناؤها يتصارعون على فتات المناصب بدلاً من التعاون لبناء صرح موحد قوي؟

نداء إلى الضمير:

هل نحن أسرى الأنانية؟

إن مقولة اللورد البريطاني، وإن كانت تحمل قدرًا من الاستعلاء والاستفزاز، إلا أنها تدفعنا اليوم إلى وقفة صادقة مع الذات، وقفة حساب لا هروب منها. هل بالفعل نحن شعب يرزح تحت وطأة الحسد والأنانية المفرطة؟

هل هذه الصفات، إن وجدت، هي التي تمنعنا من إدارة وطننا وحكمه بحكمة ورشد، لتخرجه من نفق الظلم والتخلف إلى رحاب العدل والتقدم والازدهار؟

المستقبل بأيدينا:

هل نكسر قيود الماضي؟

لا يمكننا أن نختبئ خلف شماعة القدر، أو نلقي باللوم على الآخرين. فالمستقبل هو ما نصنعه بأيدينا اليوم، كل يوم. لقد آن الأوان لأن نتجاوز الصراعات الهامشية التي تستنزف طاقاتنا، وأن نضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار. حان وقت أن نثبت للورد البريطاني، وللتاريخ، أن نبوءته كانت خاطئة تمامًا. أن نثبت للعالم أجمع أننا قادرون على بناء دولة قوية مزدهرة، وأن نتحد كشعب واحد يسعى نحو هدف مشترك ووحيد: سودان حر، مزدهر، ينعم بالعدل والسلام والرخاء.

فهل نملك الشجاعة الكافية لتصحيح المسار، وتغيير هذه الصورة النمطية التي تلاحقنا منذ عقود؟ أم سيبقى شبح مقولة اللورد البريطاني يطاردنا، مؤكدًا نبوءته المرة، ليغرقنا في دوامة لا نهاية لها؟