✍ أحلام محمد الفكي : العمل التطوعي ؛ بين رسالة العطاء وخطر الإستغلال

لا يختلف اثنان على الدور الجوهري للعمل التطوعي، فهو نبراس للأمل وركيزة أساسية في بناء المجتمعات ومد يد العون للمحتاجين في كل بقعة من العالم. إن جهود المنظمات التطوعية والخيرية تساهم بفاعلية لا تقدر بثمن في سد الفجوات وتقديم الدعم حيثما يلزم. ولكن، متى يتحول هذا العطاء النبيل إلى ستار خفي لأنشطة مشبوهة أو أجندات استخباراتية تهدد أمن الوطن واستقراره؟
هنا يكمن منعطف خطير يستدعي منا وقفة تأمل عميقة ومراجعة شاملة لآليات منح التراخيص لهذه المنظمات.
إن ثقتنا المطلقة في الجهات المسؤولة عن منح التصاريح تدفعنا للأمل في أن تُجري مراجعة شاملة ودقيقة لكل منظمة، وطنية كانت أم أجنبية. فالتاريخ القريب يشهد على أن بعض هذه المنظمات، وبنشاطها الخفي، قد ألحقت أضرارًا جسيمة بمصالح الوطن العليا. لم يعد مقبولًا بأي حال من الأحوال أن تتخذ بعض الكيانات من العمل الإنساني غطاءً لتحقيق مآرب لا تخدم سوى أجندات مشبوهة، بعيدًا كل البعد عن رسالتها المعلنة.
هناك ظاهرة أخرى باتت تطفو على السطح وتستدعي تفكيرًا عميقًا وتدخلًا حاسمًا :
ألا وهي الثراء الفاحش والمفاجئ للكثيرين ممن تطوعوا لجمع التبرعات باسم الفقراء والمحتاجين. ففي الوقت الذي تتضخم فيه أرصدة هؤلاء، يظل الفقراء على حالهم، بل ويزدادون فقرًا وحاجة! هذا التناقض الصارخ لا يطرح تساؤلات حول الشفافية والنزاهة فحسب، بل يوجب وقفة صارمة لوضع حد لهذه الممارسات التي تسيء إلى قيمة العمل الخيري وتضرب مصداقيته في الصميم.
لو كانت المنظمات التي تدعي العمل في مجالات التنمية، ومحاربة الفقر، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتنفيذ المشاريع الإنتاجية صادقة حقًا في دعواها، لكان أثر ذلك ملموسًا وظاهرًا للعيان في مجتمعاتنا اليوم. لو كانت جهودهم موجهة بصدق نحو تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالمجتمعات، لشهدنا تحولًا إيجابيًا حقيقيًا في حياة الفئات الأكثر احتياجًا.
إن العمل الإنساني هو في جوهره رسالة سامية تعكس أسمى معاني العطاء، والتعاون، والتراحم بين البشر. ولكن عندما يتم استغلال هذه الرسالة النبيلة لأغراض مشبوهة أو تصبح مظلة لأجندات خفية تتجاوز الإطار الإنساني، فإن الأمر يتطلب رقابة صارمة ومحاسبة قوية. فسلامة الوطن وحقوق أبنائه هي أمانة عظيمة في أعناقنا جميعًا، ولا مجال لأي تهاون في حماية هذه الأمانة.