رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : السودان ؛ هجرةٌ قسريةٌ ونداءٌ للصمود في وجه المحن (2)

-

في مطلع هذا العام الهجري لا يمكننا أن نغفل عن الواقع المؤلم الذي يعيشه السودان

ويبرز تشابه اليوم بالبارحة، ويذكرنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة، واستقبله أهل المدينة بالدفوف. نعم، في كل زمان حينما يضايق أهل الباطل والظالمون أهل الحق، تكون الهجرة وقفات وعظات وعبر ودروس لمواقف اليوم، لا بد من الاستفادة منها. إن الهجرة القسرية في السودان، رغم مأساتها، تحمل في طياتها إمكانية التحول العميق. فعندما تُنظر إليها من منظور الهجرة النبوية، يمكن أن تتحول إلى محفز للقوة الداخلية والوحدة وإعادة البناء الاستراتيجي، بدلًا من كونها مجرد مصدر للمعاناة. هذا المنظور يفتح طريقًا نحو الفاعلية والمرونة. فالهجرة النبوية، رغم كونها نزوحًا قسريًا تحت الإكراه، أدت في النهاية إلى تأسيس مجتمع مزدهر ودولة عادلة.

هذه السابقة التاريخية تشير إلى أن التجربة السودانية، رغم كونها مدمرة، تحمل في طياتها القدرة على التحول إذا تمكنت المجتمعات النازحة والأمة ككل من تجسيد وتطبيق الدروس الأساسية للهجرة الأصلية: الوحدة، والصبر، والتخطيط الاستراتيجي، والإيمان الثابت، والالتزام بالمبادئ. هذا يعيد صياغة السرد من سرد الضحية السلبية إلى سرد المرونة النشطة وإمكانية التمكين وإعادة البناء في المستقبل.

ويظل الأمل قوة دافعة لا تنضب، ومصدرًا للإلهام والصمود. إن الأزمات، مهما بلغت شدتها، يمكن أن تكون محفزًا للاستيقاظ والتطهير، فالحرب قد تكون "ضرورة... جاءت لتطهرنا أكثر، لتصفعنا بألم لنستيقظ من غفلتنا". إن هذا المنظور يرى في قلب الدمار بذرة للنمو العميق، ويؤكد أن "الأمل لابد من وجوده في كل الظروف القاسية"، وأننا "سنزهر من قلب الأنقاض وننير الدنيا بعقولنا المتوجهة". هذا ليس تفاؤلًا سلبيًا، بل هو موقف فعال ومتحدٍ يمكّن الأفراد والمجتمعات من إيجاد معنى عميق، والخضوع للتطهير، وحشد الإرادة الثابتة لإعادة البناء والازدهار حتى في خضم الدمار الشامل. إنه يمثل النار الداخلية والقوة الروحية التي تمكّن الناس ليس فقط من التحمل، بل من "الازدهار من الأنقاض" و"إكمال الرحلة" على الرغم من الصعاب الهائلة.

إن هذا العام الجديد يدعو إلى عمل جماعي وتضامن

لا يتزعزع فعلى الشعب السوداني، وعلى الأمة العربية والإسلامية جمعاء، أن تستلهم الدروس الخالدة من الهجرة النبوية: الوحدة، والتخطيط الاستراتيجي، والالتزام الثابت بالمبادئ، والتوكل المطلق على الله. يجب ألا نحيد عن الهدف الأسمى أو نستسلم للنزاعات الداخلية التي يمكن أن تطيل أمد المعاناة وتقوض الجهود الجماعية. إننا نؤمن بأن المستقبل الأفضل، الذي يتسم بالسلام والعدل والاستقرار، ليس مجرد حلم، بل هو حقيقة يمكن تحقيقها من خلال الوحدة والمثابرة الصادقة والعون الإلهي.

ومع انتهاء عام وبداية آخر، نقف على عتبة زمنية جديدة، تحمل في طياتها أملًا متجددًا وصفحة بيضاء خالية من أعباء الماضي. إنها فرصة سانحة للجميع ليعبروا نحو مستقبل أفضل، مستلهمين من دروس الهجرة النبوية العظيمة، ومطبقين روح "جرد الحساب" على ذواتهم ومجتمعاتهم. إن هذا الالتزام الجماعي هو السبيل نحو بناء غدٍ تسوده الطمأنينة والعدالة والاستقرار للجميع