رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : الخرطوم بين أنياب اليأس وأجنحة الأمل ؛ حكاية صمود وميلاد جديد

-

أحياناً توقفنا بعض الأخبار التي تحمل في طياتها تناقضات صارخة، كأنها وجهان لعملة واحدة؛ أحدهما يجرنا إلى قاع اليأس، والآخر يرفعنا نحو قمم الأمل. هكذا حالنا مع الأخبار ومن قلب السودان، من الخرطوم تحديداً تلك العاصمة التي صارت أيقونة للصمود والنزف معا

الخبر الأول جاء على لسان قامة إعلامية كبيرة، مقالٌ يحمل تحذيراً صارخًا من العودة إلى الخرطوم. صورٌ قاتمة رسمتها الكلمات: "مأوى للكلاب الضالة، مرتع للأمراض، الجوع والمسغبة تفتك بها، لا يمكن لإنسان أن يعيش فيها بهذا الدمار والخراب". كلماتٌ كفيلة بأن تقتل أي بصيص أمل، وتؤكد أن ما حدث كان ضربة قاضية لعاصمة كانت يومًا عامرة بالحياة. نعم، نقولها بمرارة: خربت ودمرت.

لكن هل هذه هي الصورة الوحيدة؟

هل استسلمت الخرطوم تماماً لقدرها المحتوم؟

بالرغم من هذا المشهد المروع، تتسرب إلينا أنباء أخرى تحمل معها بصيصًا من النور. عمليات ترميم وأعمال صيانة بدأت تلوح في الأفق. وعودٌ من رئيس الوزراء والوالي بـإعادة الإعمار قريبًا، وبشرى بعودة العام الدراسي. والأهم من ذلك كله، وجود سكان صامدين ظلوا طيلة سنوات الحرب قابضين على جمر الوطن، لم يبرحوا أحياء الخرطوم، شهدوا على الدمار ويشهدون الآن على بوادر النهوض. إنهم الشهود الأحياء على أن روح المدينة لم تمت بعد.

ثم يأتي الخبر الثاني، كالبلسم الذي يداوي جراح الخبر الأول، يحمل معه كل معاني الأمل والتفاؤل. إنه إعلان عن بدء إنتاج مصنع "كابتن ماجد" التابع لمجموعة معاوية البرير في العاصمة. للوهلة الأولى قد يبدو خبرًا اقتصاديًا بحتًا، لكنه في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. إنه إعلان صريح بأن السودان قادر على النهوض من بين الرماد، بإرادة وعزيمة أهله.

هذا المصنع ليس مجرد خط إنتاج جديد، بل هو رسالة قوية للداخل والخارج:

* إعادة الحياة للصناعة الوطنية في ظل ظروف أمنية واقتصادية بالغة الصعوبة. هذا وحده إنجاز يستحق التوقف عنده.

* تشجيع المغتربين والمستثمرين على ضخ رؤوس أموالهم داخل البلاد، مؤكدًا أن الاستثمار في السودان ليس حلمًا بعيد المنال.

* رفع الروح المعنوية وبث الأمل في نفوس المواطنين، الذين طالما عانوا من ويلات الحرب وويلات اليأس.

"كابتن ماجد" يصرخ بصوت عالٍ: "السودان لا يزال حيًّا… ينبض بالعمل والطموح". إنه دليل قاطع على أن الإرادة تصنع المعجزات، وأن بذور الحياة تنبت حتى في أحلك الظروف. إنه وعد بأن يعود الأمن والاستقرار لكل شبر في بلادنا الغالية، وأن تعود الخرطوم، ليس كما كانت، بل أفضل مما كانت.

إن التحديات هائلة، والطريق طويل، ولكن ما دام هناك من يرفض الاستسلام لليأس، ويصر على البناء والعمل، فإن شمس الأمل ستشرق حتمًا على الخرطوم وكل السودان