✍ عزمي عبد الرازق : نبقى حِزمة كفانا المهازل

"سومرز جاكسون"، الجنرال الإنجليزي الذي عمل في السودان إبان الحقبة الاستعمارية، والذي سُمِّيَ باسمه موقف جاكسون الحالي، صدمنا بمقولة خطيرة بعد معاصرته ومعايشته للسودانيين، للناس والأحداث، نحتاج أن نواجه بها أنفسنا. قال و يا للهول: "رغم فضائلهم، لا يجتمع السودانيون إلا على كراهية بعضهم بعضًا". ربما هذا أحد أسباب تخلفنا وحروبنا وفقر بلادنا، رغم أنها غنية بالموارد.
تذكرت هذه العبارة وأنا أتفحص عمليات التفتيش والهجوم المنظم التي يتعرض لها الدكتور معز عمر بخيت، بمجرد إعلانه وزيرًا للصحة، مع أنه استوفى المعايير المطلوبة في حكومة الأمل، وهذه الوزارة تحتاج إلى قدرات ومثابرة وعلاقات د. معز بمنظمة الصحة العالمية ومعرفته بالحقل الطبي عموماً وأهمية المواكبة والتطور، لكن "آل باخوس" لن يعْدَموا حيلة، يتعاملون مع الأرشيف والماضي واللحظات النادرة كمنطلق نهائي "للشناف" والاغتيال، مع أن الموضوعية تتطلب نقد الأداء، "من ثمارهم تعرفونهم". وحتى الآن لم نرَ قطوف كامل إدريس ولا ثمار حكومته.
في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان، وبعد "معركة الكرامة" التي تُعد نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد، يصبح معيار الكفاءة والتأهيل للترشح للمناصب الوزارية والقيادية أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولا يمكن أبداً فصل هذا المعيار عن الوطنية ونزاهة اليد، خاصة في سياق المطالبة بتجديد العقد الاجتماعي وبناء دولة قوية وعزيزة ترتكز على العلم والمعرفة، وتدفع بالقوي الأمين. والأهم من ذلك أن "معركة الكرامة تجبّ ما قبلها". وهذا يعني أن الأولوية القصوى الآن هي لم الشمل وتوحيد الكلمة والعمل بصورة جماعية لإنقاذ الوطن من تحت فك الجنجويد ومؤامراتهم وكفيلهم الحقود.
يكفي أن يكون المرشح لأي وظيفة قيادية، بما في ذلك المناصب الوزارية، وطنيًا مخلصًا لم تتلوث يده بالمال العام، ولم "يشفشف البيوت" وينتهك الأعراض، ولم يكن فاسدًا.
مؤكد أن تجاوز المرشح للفحص الأمني يُعد دليلًا كافيًا على أنه ليس من كورال "طرفي النزاع" والموالين للمليشيا، ولم يخالط جماعة نيروبي و"العميل رقم صفر "على كأس خيانة قط.
نحن في أمس الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يرتكز على مبدأ التواصي بالحق والصبر، ونبذ الخلاف، " نبقى حزمة كفانا المهازل" والنفير الخلاق، فـ"يد الله مع الجماعة". ولعن الشيطان الذي يعدنا الفقر، فهو قابع في أعماق النفوس المريضة ويحث على التنمر والكراهية والغيبة والنميمة ورمي المحصنات.
أنا من أنصار تغليب المصلحة العامة، وتهيئة الظروف لنجاح حكومة كامل إدريس، ففي نجاحها خير لنا جميعًا. ودون شك فإن معيار الكفاءة مؤشر على أن من يتولى المسؤولية لديه الخبرة والمعرفة اللازمة لإدارة شؤون الدولة، بينما تضمن الوطنية أن القرارات المتخذة تخدم المصلحة العليا للوطن والشعب، بعيدًا عن أي مصالح شخصية أو فئوية. والجمع بين التأهيل والكفاءة المهنية والوطنية الصادقة هو المدخل لاستعادة بلادنا وترميم حياتنا والتقدم بثقة نحو المستقبل.
وهذا ما تتطلبه المرحلة الانتقالية. المهم أننا بفضل الله في خير وبخير، وعوضًا عما كان الهم والشغل الشاغل النجاة من الموت وفك الحصار عن القرى والنزوح إلى أين، وتهديدات الجنـ.جويد، أصبحنا نتحدث عن الأمل والنزاهة. "كنا وين وبقينا وين؟"