✍ لواء ركن (م) د. يونس محمود محمد : بيرم يقسم ورب العزة يبره

الغيب ركيزة الإيمان الأساسية ، وفيه الأحوال والفتوحات النورانية لخاصة الناس كرامةً عند ربهم من أهل الصلاح والولاية ، ما إن حدثوا به أو أفشوه تكالب عليهم (العقلانيون) الذين وقفوا عند مربط النص ، واختزلوا المعايرة والقياس في قيد الممكن المشاهد ، وأدوات ذلك عندهم هي الممكن والمعقول ، وذلك بقسمة الحدث أو الحال على المعروف لديهم فيكون الناتج التكذيب أو التشكيك في ذلك ، والحاقه بالدروشة والأساطير .
شباب الحركة الاسلامية الذين جاهدوا في الله والوطن حق الجهاد مع إخوانهم في الجيش في حرب الجنوب منذ العام ١٩٨٩م وحتى العام ٢٠٠٥م
رووا مشاهد ، وحكايات ، وحوادث (فوق المعقول) وتلك مقامات يقصر عنها الإدارك العقلي مهما أوتي من تجليات تفوق ، وومضات ذكاء ، فتلك مجالس يُفسح فيها لأهل الصلاح والقبول و(الكرامات) وهي أمر خارق للعادة يظهره الله على أحد من عبادة ليس مقرونًا بالتحدي ودعوى النبؤة .
فمنهم من أعد طعام الإفطار في رمضان وامتنع عن تناوله عند الآذان وقال إنه موعود بالإفطار في (الجنة) ويستجيب الله تعالى له ويستشهد في ذات اللحظة ، ومثلها كثير في سير وأخبار العمليات .
وحتى لا يكون ذلك قصصًا من الماضي ، الآن تتجدد في معركة الكرامة ذات الأحوال والفتوحات النورانية و(الكشف) كما يقول السادة الصوفية ،
ومن لم يصدق فاليراجع (فديو) الشهيد هشام بيرم ، وهو يقول بأن هذا الفديو هو الأخير بالنسبة له ، يودع فيه إخوانه ، ويوصيهم بالتمسك بحبل الله والمضي قدماً في درب الجهاد حتى تحقيق النصر ، وألا تأخر للوراء ولا تراجع عن الوقوف في نصرة الدين والوطن والاصطفاف مع الجيش من أجل تحقيق ذلك والصبر عليه ، ويقسم المجاهد هشام بيرم يقسم بالله ست مرات بأنه سيتشهد ، وإخوته يوصونه برفع تحاياهم وأشواقهم لإخوتهم الذين سبقوا بالشهادة ، ويعرفون أنهم أي الشهداء ( يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
وأبلغ مافي هذا المشهد المستنير بنور الله ، المحفوف بالفتوحات أن هؤلاء الشباب وهم يسجلون أسماءهم في قوائم الشهداء بأنفسهم وهم ما يزالون على قيد الحياة ، فأي تمدد هذا الذي يصل مابين الحياة والموت ، وأي سكينة هذه التي تتغشاهم وهم يتحدثون عن (الموت) وكأنه اغتراب لتحصيل العلم والمال والرفاهية عند الآخرين !!
وأي ثقة تحمل صاحبها لدرجة تسجيل (فديو) يؤكد فيه أنه سيستشهد ، وأنه التسجيل الأخير له !!
ماذا لو لم يتحقق الموت ؟؟ ولم تحصل الشهادة ؟؟ ولم ينقضي العمر ؟؟ ولم يستوفي الأجل ؟؟
والإجابة عن هذه التساؤلات المحتملة هي عين (العقل) الذي نتحدث عنه ، أنه لا يصلح للقياس والمعايرة في هذا الشأن ، لأن الحقيقة والإشارة قد وصلت الى بريد هشام بيرم ،، مافي شك ،، وأن تأشيرة دخوله للجنة بإذن ربه قد استلمها ووضعها في محفظته أو قل حافظته ، ولذلك يظهر مطمئنا جدًا ، عليه من السكينة والوقار مالا يماثل احتضار الموت ودنو الأجل ، وكراهة الرحيل ، بل بدأ واثق الكلم موثوق الخبر ، تفاعل معه إخوته المجاهدون بما يليق من الجد والتلطف والتصديق ، وذلك بتحميله باقات الهدايا والتحايا وبث الأشواق ووعد اللقاء ، بل والتزاحم في التوقيتات والتراتيب لمقعد الشهادة القادمة .
هشام بيرم يقسم على الله بأنه سيستشهد ، وربه يكرمه ويبر قسمه ، ويصطفيه شهيدًا في معركة أم صميمة أمس الأول ، ويكرمه بأن يمضي له أمره ، ويصدق وعده ويحقق أمله ، وفوق ذلك كله يرفع درجته ، ويعلي مقداره بين الناس ، فيصبح حالي الذكر في الدنيا ، وعالي المقام في القناديل تحت عرش الرحمن ، بل تبلغ هذه الرسالة الخالدة آفاق كل نفس سُدت عليها منافذ النور ، وكل عقل معتد بإدراكه ، بأن فوق إدراك العقول ، مفازات وعوالم من الغيب تدرك بفتوحات رب العباد ، ووحي خاص ، وإلهام مختار تكريمًا لبعض عباد الله المُخلصِين ، حتى تفتح مثل هذه الحوادث نوافذ جديدة يتسلل منها نور البصيرة ليضئ مساحات الظلام في العقل البشري .
فيا أيها الشهيد الشاب (المُحَدّث) هشام بيرم ، قد أفقدت الموت خاصية الكراهية ، وأفقدت الدنيا بزخرفها وزينتها ، أفقدها خاصية الجاذبية والإثقال ،
وسلبت النفس البشرية نزعة الالتصاق بالأرض والتمسك بالمتاع فأصبحت خفيفًا تحلق بأجنحة العزم الى مقامات في جو السماء لم يَرُفّ فيها ولم يَصُفّ جناح طائر .
ياهشام بيرم يا ابن كتائب البراء ، ويا أخ المجاهدين ، وقائد جحفل عمليات الكتيبة الثالثة متحرك الشهيد أسامة اسطنبول
قد فزت ورب الكعبة ، فوزًا جهيرًا على رؤوس الدنيا كلها ، برها وفاجرها .
وتركت مع سائر إخوتك الشهداء ، تركتم ميراثًا ثمينًا ، يدخره الدهر زادُا للمتأخرين من أحفاد هذه الأمة المجاهدة .
فهنيئًا لكم الشهادة ، والتمخطر في ريع الجنات العوالي ، ورفقة الأحباء ،
البراؤون رٍفدُ جهاد ، وأخوة إسلام ، ورفقة مجد ، وصون عرض ، وعز الدنيا ، ونعيم الآخرة بإذن الله
ولله جنود السماوات والأرض
نصر من الله وفتح قريب