✍ د. الشاذلي عبداللطيف : في حضرة الغبن والتخلي ؛ حين يغدر الوطن بأطفاله في الغربة

إلى مديري ومعلمي المدارس السودانية في أسوان...
إلى وزير التربية والتعليم...
إلى قنصل السودان في أسوان...
لمن لا يعرف، دعونا نوضح – وبكل سخرية مرة – أن وجود السودانيين في مصر ليس نزهة على النيل، ولا ترفًا سياحيًا في شقق مفروشة!
هؤلاء الناس لم يتركوا ديارهم حبًا في التغيير، ولا قفزًا على واقع جميل… بل خرجوا هربًا من واقع خانق، ومن وطنٍ يطرد أبناءه بالصمت والإهمال.
في هذا السياق المؤلم، وبينما تحاول الأسر السودانية في أسوان التشبث بما تبقّى من كرامة، جاءت الطامة الكبرى:
فرض مبلغ 7200 جنيه مصري – ما يفوق 400 ألف جنيه سوداني – على كل طالب سوداني يريد الجلوس لامتحانات الشهادة الابتدائية أو المتوسطة.
هل هذا امتحان؟ أم مزاد علني؟
الرسوم جاءت فجأة، وبلا مراعاة لحال هذه العائلات المنهكة في الغربة. ومع كل توسلات أولياء الأمور، وكل المحاولات الخجولة لتخفيض المبلغ، لم تتحرك القنصلية إلا بخفض "رمزي" قدره 1200 جنيه، وكأنهم يمنّون على الناس.
المضحك المبكي أن منظمات مصرية وأجنبية، لا علاقة لها بالسودان، تدخلت بكل شرف وإنسانية، وساهمت في تغطية جزء من المبالغ: بعضها دفع 4000، بعضها 5000، وبعضها سدّد المبلغ كاملاً.
فرح الناس، وزُفّت البشرى، وخرجت جريدة الدار السودانية توثق الحدث في مدرسة (ن) بأسوان، على أن الطلبة صاروا جاهزين لأخذ أرقام الجلوس.
لكن المفاجأة المسمومة كانت بانتظارهم.
إدارة الامتحانات أعلنت بدم بارد: لا رقم جلوس لأي طالب لم يُكمل المبلغ بالكامل. حتى لو دفع عنه الآخرون أكثر من 80%.
هكذا… بكل صلافة، وكأن الهدف هو تحصيل المال لا تقييم الطالب.
أسبوع واحد يفصل هؤلاء الأطفال عن امتحاناتهم، ومستقبلهم مهدد بالضياع، لا لذنب اقترفوه، بل لأنهم فقراء... ولأن الدولة التي تمثلهم قررت أن تجعل من التعليم صفقة نقدية، لا رسالة سامية.
فليعلم الجميع:
مديرو ومعلمو المدارس السودانية في أسوان، أن صمتكم لم يعد محايدًا، بل متواطئًا.
وزير التربية والتعليم، إن أطفالًا سودانيين يُحرمون من أبسط حقوقهم في التعليم، وأنت المعني الأول.
قنصل السودان في أسوان، إن ما يجري تحت علمك وبتوقيعك ليس تمثيلًا دبلوماسيًا، بل تمثيل مأساوي لوطن يطرد أبناءه.
التعليم يا سادة، ليس سوقًا سوداء، وليس وسيلة لجمع العملات.
التعليم حق، لا مكرمة.
ومَنْ يمنع طفلًا من الجلوس للامتحان لأنه لا يملك المبلغ كاملاً، إنما يرتكب جريمة تربوية وأخلاقية لا تُغتفر.
أعيدوا لهؤلاء الأطفال حقهم في الحلم.
ففي الغربة لا يملكون شيئًا… سوى هذا الامتحان.
فلا تحرموهم حتى منه.