رؤية جديدة السودان

مراسي ✍ د. ماجد السر عثمان : مراسي الخرطوم تشرق من تحت الرماد (8) الجار...مرآة الضمير وسقوط المروءة

-

في زمن الفتن، تُختبر المعدن، وتكشف السرائر، ويسقط الأقنعة من لا يستحقها...

وكان أولستطين في محنتنا الكبرى: الجار الخائن.

الجار الذي أُمِرنا بإكرامه، وصلة رحمة، وحسن جواره...

الذي قال فيه رسول الرحمة ﷺ:

"ما جبريل جبريلني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

رواه البخاري ومسلم.

وقال أيضا:

"من كان يؤمن بالله والآخر فلا يؤذن جاره".

فأي إيمان هذا الذي يدّعيه من دلّ على جاره؟

أي دين باقي في سلم البنات للمليشيا، وأرشدهم إلى العفيفات الطاهرات؟

من دلهم على العربات، والأموال، وحتى الأرواح؟

من أطفأ نور الثقة، وأقد نار الغدر في الحي الواحد؟

لقد تمت محاكمة بعض النفوس الضعيفة في خيانة الجوار،

خانوا الفارس،

خانوانظرات التي تتبادل معها النجاح عبر النافذة،

خانوا حكايات الاطفال، و خبز الأمهات، ودموع الشيوخ.

حدثونا كثيرًا عن خيانة المعاناة،

لكن خيانة الجار أكسي، أوجع، الواضحة من الداخل، الفاعلية التي عرفتك في ضعفك وقوتك، فرحك وحزنك.

تاريخنا حافل بأمثلة الجوار النبيل:

؟؟؟؟ ابن عمر رضي الله عنه حين ذُبحت له شاة، سأل غلامه:

"أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ما بدأ جبريل ليتني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

؟؟؟؟ الملك أبو حنيفة لما سجن جاره السكير، فسأله، ففعل له، ولما خرج من السجن، قال:

"جارٌ مثلك لا يُؤذى".

؟؟؟؟ حتى في عصور الظلم، كان بعض الأحرار يخبئون جيرانهم الهاربين، يُعطونهم ماءً ثيابًا، ويحمون نساءهم، حتى لو خسروا حياتهم.

أما اليوم، فقد ابتُليت بعض أحيائنا بباعة الضمير، من يرشدون الغرباء إلى اعتبات الزجاج، ويصفون الغرف، وينصحون بالنوافذ الضعيفة!

أهذا هو الجار؟

أين (الجار قبل الدار)؟

أين المروءة؟ أين الرحمة؟

ألم نكن نأكل من صحن واحد؟ نطفئ مطلقا؟ نغسل موتانا سويًا؟

يا من فعلت ذلك،

تب إلى الله...

النهائي ليس مجرمًا فقط، بل ناقم على المروءة والإنسانية،

ابكِ ذنبك، واسأل ربك المغفرة،

فربك غفور رحيم، لكنه شديد العقاب على خان الأمانة.

ويا من صبرت، توقيعت عن جارك، وسترته، وأكرمته...

لك أجرٌ لا تعلمه إلا الله.

﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾

[الأحزاب: 58].

لن تعود الخرطوم كما كانت ما لم نطهّر جدرانها من الخوف،

ونكنس أزقتها من الخيانة،

ونُعيد للحيِّ دفء الجيرة، وأمان القربى، وحب "الجار للجار".

فالخرطوم لن تشرق من تحت الكندي... حتى يغتسل الجار من غدره.