رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية تحديات متصاعدة بين العلاقات السودانية المصرية

-

تُعد العلاقة بين مصر والسودان من أعمق العلاقات في المنطقة العربية والأفريقية، إذ تجمع البلدين روابط تاريخية وجغرافية وثقافية واجتماعية لا تنفصم. فمن ضفاف نهر النيل الذي يوحّد شعبي وادي النيل، إلى التاريخ المشترك والمعارك السياسية والاقتصادية التي خاضها الطرفان سويًا، ظلت العلاقة بين القاهرة والخرطوم تحمل طابعًا خاصًا لا يشبه سواه.

ومع التطورات السياسية المتسارعة التي شهدها السودان، خاصة بعد حرب الكرامة، عادت هذه العلاقة إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، تطرح تساؤلات حول شكل التعاون المرتقب، وحدود التأثير والتأثر، وإمكانية بناء شراكة استراتيجية قائمة على المصالح واحترام السيادة.

تُعد العلاقة بين مصر والسودان واحدة من أكثر العلاقات الإقليمية تعقيدًا وعمقًا في آنٍ واحد، إذ تتشابك فيها المصالح السياسية والاقتصادية مع الروابط الثقافية والتاريخية، في توازن دقيق بين التقارب والتباعد، الشراكة والندية. فالموقع الجغرافي المشترك، ونهر النيل الذي يربط بين شعبي وادي النيل منذ آلاف السنين، جعلا من هذه العلاقة محورًا مهمًا في معادلات الأمن القومي لكلا البلدين.

عبر العقود، مرت العلاقات السودانية المصرية بمحطات مختلفة؛ من التوافق والتكامل في بعض المراحل، إلى التوتر والبرود في أخرى، على خلفية ملفات شائكة مثل مياه النيل، الحدود، والتدخلات السياسية. ومع ذلك، ظلت شعوب البلدين أقرب إلى بعضها من أي طرف خارجي، ما جعل الرابطة بين الخرطوم والقاهرة عصيّة على الانقطاع التام.

اليوم، ومع ما شهده السودان من تحولات كبرى بعد حرب الكرامة، يفتح المشهد السياسي صفحة جديدة في العلاقة مع مصر، تتطلب مراجعة شاملة لاستراتيجيات التعاون والتعامل، في ظل واقع متغير على المستويين الإقليمي والدولي، وتحديات متصاعدة تتطلب تنسيقًا أكثر حكمة وواقعية.

فهل تمضي الدولتان في طريق شراكة متوازنة تراعي المصالح والسيادة؟ أم أن رواسب الماضي ستُلقي بظلالها من جديد على علاقات لطالما تذبذبت بين الأمل والحذر؟

العلاقات بين السودان ومصر تمر بتحديات متصاعدة، تعود لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، وقد تفاقمت في السنوات الأخيرة نتيجة التطورات الإقليمية والدولية، والحرب الجارية في السودان. ومن أبرز هذه التحديات وهو الخلاف التاريخي حول السيادة علي

منطقة(مثلث حلايب وشلاتين) يظل من أبرز نقاط التوتر، خاصة مع تمسك كل طرف بأحقيته في السيادة.

ازداد الاحتقان الشعبي في السودان حول هذا الملف في فترات سابقة، وسط اتهامات بضم المنطقة قسرياً إلى الإدارة المصرية.

ثم الحديث المتداول في الفترة الأخيرة عن ملف مياه النيل وسد النهضة الذي ظل محل صراع دائم اقليميا

رغم التقارب النسبي في مواقف البلدين بشأن سد النهضة، إلا أن التحركات الأحادية من إثيوبيا أحرجت السودان، وأظهرت تبايناً في الرؤى بين الخرطوم والقاهرة.

السودان يسعى لموقف أكثر مرونة يضمن سلامة سدوده، بينما تميل مصر إلى تشديد الضغوط الدولية.

وكذلك الحرب الدائرة في السودان بين الجيش والدعم السريع ألقت بظلالها على العلاقات، وسط اتهامات من بعض الأطراف السودانية بدور مصري غير واضح.

وتحفظ مصر عن اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الدعم السريع أثار تساؤلات، رغم دعمها المعلن لاستقرار السودان ووحدته.

شده التنافس على النفوذ في شرق أفريقيا والبحر الأحمر خلق نوعاً من الحساسية، خصوصاً مع دخول قوى أخرى كالإمارات وتركيا، حيث تختلف مقاربات البلدين في التعاطي مع هذه القوى.

قضايا التبادل التجاري الذي يعاني من ضعف البنية التحتية، وغياب التنسيق اللوجستي الفاع

واتهام بعض السودانيين للشركات المصرية بالاستفادة من الأوضاع دون تقديم فوائد حقيقية للاقتصاد السوداني، مما خلق حالة من التوجس الشعبي.

التغطيات الإعلامية في البلدين قد تؤدي أحياناً إلى تأجيج المشاعر الوطنية، خصوصاً في ظل حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغذي الخطاب المتشنج.

العلاقات السودانية المصرية تمر بمرحلة دقيقة، حيث تتداخل المصالح المشتركة مع الاختلافات الإستراتيجية والتاريخية. الحفاظ على الاستقرار الإقليمي يقتضي معالجة هذه التحديات بروح من الشفافية والاحترام المتبادل، مع تعزيز آليات الحوار السياسي والشعبي