رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ لنرسم ملامح سودان جديد

-

شكراً لكل من أشاد بعمود همسة وطنيه والذي تحدثنا فيه عن إعادة بناء الإنسان السوداني فالهمسة تتحدث عن سودان مابعد الحرب نكتب بلسان وأحلام أهل السودان لكن وفق رؤية إستراتيجية وعلمية نضعها للقارئ الذي يتطلع لوطن شامخ يبني للمستقبل متجنبا أخطاء الماضي وسلبيات السياسات التي أقعدت السودان من التطور والتقدم لتأتي الحرب وتزيد من جراحاته أكثر

ولكن وسط ركام الحرب وأصوات البنادق يتردد في آذان السودانيين شعارٌ بسيطٌ في كلماته عميقٌ في دلالاته : "إعمار السودان أولاً". إنه نداء يعلو فوق كل الانتماءات الضيقة وينادي بكل من تبقى لديه ذرة من ضمير وولاء لهذه الأرض الجريحة أن الوقت قد حان لوضع الوطن في مقدمة الأولويات

لقد شهد السودان خلال السنوات الأخيرة دماراً واسعاً طال الحجر والبشر ولم تسلم منه مدينة أو قرية ولا قلب أو ذاكرة

انقسمت البلاد سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وتفرّق الناس بين لاجئ ومُهجّر ومُحارب ومُنكوب ومع كل هذا لم تُكسر إرادة الحياة ولم ينطفئ الأمل في نفوس السودانيين الذين ما زالوا يؤمنون بأن السودان يمكن أن يُبعث من رماده

إن إعمار السودان لا يعني فقط إعادة بناء ما دمرته الحرب من منشآت وجسور ومنازل بل يعني أولاً وقبل كل شيء إعمار الإنسان السوداني هذا الإنسان الذي تمزقت نفسيته بفعل الصراعات وفقد ثقته في الدولة والمؤسسات وحتى في بعضه البعض يجب أن نعيد بناءه بالتعليم، بالصحة، بالمصالحة، وببرامج الدعم النفسي والاجتماعي، ليعود مواطناً فاعلاً، يؤمن بالسلام والتنمية والشراكة الوطنية.

وعلى صعيد الدولة وهي البيت الكبير الذي بحتاج الي الترميم ، نحن بحاجة إلى إعادة تأسيس النظام السياسي على قواعد العدالة والمواطنة والديمقراطية، بعيداً عن المحاصصات والانقلابات والنزعات الجهوية. نحتاج إلى دستور جامع، ومؤسسات قوية ومستقلة، ونظام اقتصادي يحفز الإنتاج لا الاستهلاك، ويحتضن الشباب لا يلفظه إلى قوارب الهجرة.

ربما تكون الحرب قد فتحت جراحًا كثيرة ، لكنها أيضاً فتحت نافذة للتفكير الجاد في مشروع وطني جديد، عنوانه: السودان أولاً، لا قبيلة، لا حزب، لا جهة. إنها لحظة تاريخية نادرة علينا اغتنامها، لنرسم ملامح سودان جديد ينهض من تحت الرماد، بسواعد أبنائه، وعقول حكمائه، وقلوب محبيه.

إذا اتفقنا على أن الوطن هو الباقي ونحن الزائلون، فليكن اتفاقنا الأول أن "إعمار السودان أولاً". لأنه لا سلام بلا إعمار، ولا إعمار بلا إرادة وطنية تتعالى على الجراح، وتؤمن بأن ما مضى يكفي، وأن ما هو آتٍ يجب أن يكون مختلفاً... يستحقنا ونستحقه.

إن رسم ملامح سودان جديد ليس ترفاً فكرياً ولا شعاراً عابراً، بل هو واجب وطني وأخلاقي تفرضه تضحيات شعب صابر وحلم أمة تتطلع للسلام والعدالة والكرامة. فالسودان الجديد لا يولد من رحم الأمنيات، بل من إرادة جماعية تسندها قيم المواطنة، ويقودها وعي سياسي ناضج، ويؤسسها عقد اجتماعي جديد يُعلي من شأن الإنسان السوداني. فلنضع أيدينا معاً، ونغلب صوت العقل على صوت السلاح، ونبني وطنًا يسع الجميع، يستمد قوته من تنوعه، واستقراره من عدالته، ومستقبله من إيمانه بأن ما ضاع يمكن استرداده إذا صدقت النوايا ووُجد القادة القادرون على الحلم والفعل معاً