رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : حروب الظلال ؛ حينما يغتال السياسيّون بعضهم ويدمّرون الأوطان

-

لم تتوقف في السودان حرب من نوع آخر، أشد فتكًا من الرصاص وأمضى من السلاح إنها حرب اغتيال الشخصية، التي لم يسلم منها أحد. هي معركة شرسة خاضتها كل الأحزاب ضد بعضها وايضا فى المؤسسات، سواء كانت في سدة الحكم أو في صفوف المعارضة.

هذه الحرب لا تقتل الأجساد، بل تقتل الأمل وتدفن الكفاءات وتجهض مستقبل الأمة.

إنها ثقافة قاتلة، أفرزها حسد النخب، الذين يرفضون تسليط أي ضوء على شخص آخر خوفًا من المنافسة. هذه الأنانية أدت إلى ظاهرة خطيرة: عجز أغلب الأحزاب عن إنتاج قيادات ذات شأن ووزن. فبدلًا من أن تبحث عن الكفاءات وتدعمها، يميل السياسيون إلى اختيار أضعف وأقل الشخصيات خبرة، لضمان عدم ظهور منافس كفؤ قد يقف كتفًا بكتف مع القائد.

هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك فردي، بل هي جزء من بنية سياسية واجتماعية مريضة. دعونا نحلل أسبابها وتداعياتها:

ثقافة الحسد والانانية: هي داء ينخر في جسد النخبة السياسية، حيث يعتبرون كل كفاءة جديدة خطرًا يهدد مواقعهم. هذا الحسد هو الذي يغذي حملات التشويه والإساءة، ويجعل من كل إنجاز للخصم مادة للطعن والتقليل من شأنه.

الخوف من أن يظهر شخص أكثر كفاءة هو المحرك الرئيسي لاغتيال الشخصية. فبدلًا من أن يتنافسوا على أساس البرامج والأفكار، يلجأون إلى المنافسة عبر التشويه والطعن في الذمم.

ضعف البنية المؤسسية للأحزاب: أغلب الأحزاب السودانية تفتقر إلى آليات ديمقراطية لاختيار القيادات. فالقيادة غالبًا ما تكون وراثية أو قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة. هذا الضعف المؤسسي يمنع ظهور الأجيال الجديدة، ويجعل من السهل على القيادات الحالية تهميش أي شخص يمثل تهديدًا لها.

ولكن دعونا نتسال كيف خرجت دول أخرى من هذا النفق المظلم؟

هذه المشكلة ليست حكرًا على السودان. لقد عانت منها الكثير من الدول، لكنها وجدت حلولًا للخروج من هذا النفق المظلم

ماليزيا: استطاع مهاتير محمد أن يخرج بماليزيا من التخلف إلى التقدم، لأنه بنى دولة على أسس الكفاءة والعمل الجاد. ولم يكن يهاب من وجود قيادات قوية إلى جانبه، بل كان يدعمها ويستفيد من قدراتها في بناء الدولة.

سنغافورة: تجربة لي كوان يو في سنغافورة خير دليل على أن القيادة التي تؤمن بالكفاءة لا تهاب المنافسة، بل تبحث عن الأفضل لتستفيد من خبراتهم في بناء الدولة.

ألمانيا بعد الحرب: بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية، بنت ألمانيا نهضتها على أساس المؤسسات القوية والشفافية والديمقراطية. فالأحزاب الألمانية لديها آليات واضحة لاختيار قياداتها، ولا تترك الأمر للأهواء أو الولاءات الشخصية.

ان الحلول المقترحة للسودان

الخروج من هذا النفق المظلم ممكن، لكنه يتطلب وعيًا وإرادة حقيقية:

إصلاح الأحزاب: يجب على الأحزاب أن تتبنى آليات ديمقراطية وشفافة لاختيار قياداتها. يجب أن تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد لاختيار القائد، وليس الولاء أو القرابة.

يجب أن يكون الإعلام هو الحارس الأمين على الحقيقة، وأن يرفض المشاركة في حملات التشويه والاغتيال الشخصي. يجب أن يكون دوره هو تسليط الضوء على الكفاءات، وكشف محاولات تهميشها.

يجب أن نتعلم كيف نتنافس على أساس البرامج والأفكار، وليس على أساس التشويه والطعن في الذمم. فالوطن لا يتقدم إلا بتضافر جهود الجميع، وليس بإقصاء الأفضل.

لقد آن الأوان لندرك أن اغتيال الشخصية هو اغتيال للوطن، وأن القائد الحقيقي هو الذي يصنع قادة آخرين، لا الذي يدمرهم.

ختاما نسأل الله أن يردنا إليه

ردا جميلا وأن نبنى هذا الوطن بنفوس صادقة ومخلصة.