✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ جدية العلاقات السودانية المصرية

في زمن تتسارع فيه التحولات الإقليمية وتتبدل فيه موازين القوى، لم يعد للعلاقات السودانية المصرية رفاهية المجاملة أو إدارة الخلافات بأسلوب الترقيع المؤقت. ما بين ضفاف النيل الممتدة من الجنوب إلى الشمال، يقف البلدان أمام امتحان تاريخي: إما أن يختارا طريق الشراكة المتوازنة المبنية على الندية والاحترام المتبادل، أو يتركا ملفات الخلاف تتضخم حتى تلتهم فرص التعاون وتفتح أبواب الأزمات. إن ما يجمع السودان ومصر أكبر من أن يُختزل في حدود جغرافية أو مصالح آنية، وما يفرقهما إن تُرك بلا معالجة، قد يتحول إلى شرخ يصعب رأبه في المستقبل.
فالعلاقات السودانية المصرية تحتاج بالفعل إلى نظرة جديّة، لأن ما يربط البلدين يتجاوز الجغرافيا والسياسة إلى عمق التاريخ والمصالح المشتركة. لكن هذه العلاقات عانت عبر العقود من مدّ وجزر، أحيانًا بسبب الخلافات حول قضايا السيادة (مثل مثلث حلايب وشلاتين)، وأحيانًا بفعل اختلاف الأولويات الداخلية لكل دولة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية.
يجب أن تقوم العلاقة على أساس شراكة حقيقية، حيث تُحترم سيادة السودان وقراره الوطني، وفي المقابل يضمن السودان استقرار حدوده ومصالح مصر الإستراتيجية، خاصة في ملف مياه النيل. وملف سد النهضة اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين
وتطوير المشاريع الزراعية والصناعية المشتركة على الحدود.
فتح الأسواق لكلا الطرفين دون عراقيل بيروقراطية.
استثمار الموارد السودانية مع ضمان استفادة الشعب السوداني، بدل أن تكون العلاقة مجرد استغلال أحادي.
مواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتهريب عبر الحدود.
التعاون في إدارة ملف المياه بما يضمن الأمن المائي للطرفين.
والعمل الجاد علي تعزيز التبادل الثقافي والإعلامي لكسر الصور النمطية.
وتسهيل الحركة بين الشعبين مع تنظيمها بما يحفظ الحقوق ويمنع الاستغلال.
فتح حوار رسمي وشعبي عبر كفاءات وطنيه من البلدين للوصول الي حلول حول القضايا العالقة مثل حلايب وشلاتين بعيدًا عن التشنج الإعلامي.
اللجوء لآليات إقليمية أو دولية إذا تعذر الحل المباشر.
فإن جدية العلاقات السودانية المصرية ليست خياراً ترفياً، بل هي ضرورة استراتيجية تفرضها الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة. فمصير البلدين مترابط، وأمن أحدهما واستقراره ينعكس على الآخر بشكل مباشر. ومن هنا، فإن تعزيز أواصر التعاون الصادق، وتجاوز التحديات بروح من الشفافية والاحترام المتبادل، هو الطريق الأمثل لبناء شراكة راسخة تخدم الشعبين وتحقق التنمية والاستقرار في المنطقة بأسرها