✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ الخرطوم الجديدة عنوان للصمود والنهوض

بعد ما مرت به الخرطوم من حرب ودمار ونزوح، يظل السؤال الأبرز الذي يطرق أبواب العقول والقلوب: كيف يمكن أن تكون العودة إليها عودة جذابة حقًا؟ هل تكفي إعادة الأمن وحده؟ أم أن الناس بحاجة إلى أكثر من ذلك؛ إلى خدمات مستقرة، وفرص عمل، وإعمار يبعث الأمل من جديد؟ وهل تستطيع الخرطوم أن تُعيد لمواطنيها الإحساس بالانتماء والطمأنينة بعد كل ما فقدوه؟
هذه التساؤلات ليست مجرد أحاديث عابرة، بل هي محور أساسي لأي رؤية لإعادة إعمار العاصمة. فالعودة إلى الخرطوم لا تعني فقط عودة إلى بيوت وأحياء، بل هي عودة إلى حياة جديدة تعيد للمواطن مافقده في
الفترة الماضية من دمارًا ومعاناة غير مسبوقة، مما دفع سكانها إلى النزوح بحثًا عن الأمن والاستقرار. ومع ذلك، تبقى العودة إليها حلمًا يسكن قلوب أهلها، وواجبًا وطنيًا لا بد من العمل لتحقيقه. ولكن العودة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون عودة جذابة تحمل معاني الأمن والكرامة والفرص من جديد.
لن يفكر المواطن في الرجوع ما لم يشعر بالأمان في منزله وشارعه ومدرسته. لذلك، فإن فرض سلطة القانون وإبعاد السلاح من المشهد المدني يمثلان الخطوة الأولى، مع إعادة تفعيل الشرطة والخدمات الأمنية المجتمعية، حتى تطمئن النفوس ويُكسر حاجز الخوف.
الخرطوم لا يمكن أن تنهض من دون عودة الكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس. فإعادة الخدمات الأساسية، ولو على مراحل، يمثل العمود الفقري لجذب السكان، ويعيد للمدينة نبض الحياة الذي افتقدته.
إطلاق مشاريع إعمار عاجلة للبيوت المدمرة والطرق والمرافق يبعث رسالة قوية بأن الخرطوم عائدة للحياة. ومن المهم إشراك المواطنين في هذه العملية عبر المبادرات الشعبية والمنظمات، حتى يشعر كل فرد أنه شريك في بناء مدينته.
تشجيع السكان على العودة يحتاج لحوافز عملية، مثل إعفاءات ضريبية ورسوم رمزية، وتقديم مواد بناء أو دعم مالي محدود. كما يجب فتح فرص عمل في مشاريع الإعمار والخدمات، لتتحول العودة إلى فرصة لتحسين مستوى المعيشة.
إعادة الأمل أهم من إعادة الطوب والحجر. لذلك، يجب إطلاق حملات إعلامية إيجابية، وتنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية تُعيد الثقة بين المواطنين وتعيد للخرطوم روحها التي تجمع الناس على المحبة.
الأزمة منحت السودان فرصة لإعادة التفكير في العاصمة: مدينة أكثر تنظيمًا، ذات خدمات حديثة، ورؤية طويلة المدى تجعلها قادرة على استيعاب أجيال المستقبل. الخرطوم الجديدة يجب أن تكون عنوانًا للصمود والنهوض.
إن العودة الجذابة لسكان الخرطوم ليست مجرد عودة لأحياء وبيوت، بل هي عودة للحياة والأمل والكرامة. بتحقيق الأمن، إعادة الخدمات، الإعمار، والتحفيز النفسي والاجتماعي، يمكن للخرطوم أن تستعيد مكانتها كعاصمة لكل السودانيين. فالعودة إليها ليست نهاية الطريق، بل بداية لرحلة إعمار وطن بأكمله. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل