✍ د. عمر كابو : المؤسسات العدلية ؛ مرافعة إبتدارية قبل إستكمال التغيير

** أصدر الرئيس البرهان قرارًا قضى بإعفاء النائب العام ومساعديه وكذلك أصدر قرارًا كلف بموجبه مولانا وهبي رئيسًا للمحكمة الدستورية..
** قبل ذلك كان قد اعتمد توصية رئيس مجلس الوزراء بتعيين مولانا عبدالله درف وزيرًا للعدل..
** فإذا استصحبنا تعيين وزير داخلية جديد بما للداخلية من سلطات واختصاصات تتعلق بالعدالة باعتبار التحريات جزء أصيل من عمل الشرطة يقوم أفرادها بمباشرة سلطة التحري والتحقيق والظهور أمام المحكمة لتلاوة محضر التحري بعد التوصية للنيابة بوجود بينة مبدئية تشكل أساس الاتهام وتخول لها معقولية توجيه التهمة للمتهم ومن ثم تحويل المتهم وأوراق البلاغ للقاضي لمباشرة إجراءات الدعوى الجنائية..
** هذه الخطوات كلها تصب في خانة ابتدار مرحلة جديدة لإرساء دعائم دولة القانون وإعادة هيبة الدولة والحكم الرشيد حيث الطريق سالك لتحقيق ذلك عبر فرض سلطان القانون بواسطة هذه الأجهزة المختصة للعدالة..
** إن إعادة تشكيل المحكمة الدستورية تعد خطوة مهمة لإستكمال مراحل التقاضي وصولًا لأحكام نهائية تحوز على حجية الأمر المقضي به بحيث لن يكون أمام محكمة الموضوع غير تنفيذ تلك الأحكام والتي هي في الأصل نافذة منذ صدورها..
** وزارة العدل التي دفع بمولانا العالم دكتور عبدالله درف لتوليها وهو بها جدير؛؛ ليس غريبًا عليها فقد عمل بها وكيلًا للنيابة قبل فصل النيابة العامة عنها حيث صارت مستقلة عنها قائمة بذاتها..
وما يميز الرجل التزامه الصارم بالقانون وسعة أفق وورع ولباقة فوق ذلك فأن في الرجل كل ذكاء أبناء شرق السودان وهي صفات وسمات ستمكنه بإذن الله من تنفيذ ملفات مهمة وخطيرة تنتظرها (الشرعية) بفارغ الصبر تتلخص في سن تشريعات: قوانين ولوائح تواكب طبيعة فترة الحرب وما انطوت عليه من تغييرات تحتاج إلى إجابة أو فتوى تخاطب الواقع المعاش مدنيًا وجنائيًا..
** أما النائب العام فقد ضربت الفوضى الخلاقة والعبث أركان ديوانه وأضحى مثاًلا حيّا في المحسوبية والفساد واستغلال النفوذ مذ ذهاب الإنقاذ حتى جاء مولانا الفاتح طيفور ونوابه فبذل جهدًا مقدرًا في وقف ذاك العبث والحق يقال أنه قابلته عقبات في طريقه : وأولها تعرضه لحادث سير في طريقه لمأمورية لزم بسببها الفراش طريحًا فترة طويلة، ومن باب الانصاف فقد بذل الرجل جهدًا مقدرًا أهم إقراره إصداره كشف تنقلات وأهم من ذلك أنه قيد بلاغات ضد قحط ((الله يكرم السامعين)) ،،أما نوابه فلم تتح لهم فترة كافية لتقييم أدائهم حيث تم تعيينهم قبل أقل من نصف عام فهل يمكن التقييم الموضوعي لأي إداري في وظيفة مثل نائب أومساعد النائب العام في فترة 6 أشهر فقط أعتقد أن ذلك من الاستحالة بمكان..
** أما الشرطة فإن هناك مسؤوليات جسام تنتظرها منها تأمينً المنشاءات والمؤسسات ومباشرة سلطة التحري بسرعة وكفاءة وتأنى (فأن تقادم الأيام مظلمة) وهذه وذاك يجب أن يخضع لاشراف مباشر وحاذق من ديوان النائب العام بعد تعيين نائب عام يخاف على سمعته ويخشي الشعب ويتق الله ويتوخى العدل والقانون ورد المظالم لأهلها ما أمكن ذلك ..
** تبقى القضية الأهم وهي إصلاح القضاء والذي تعرض لهزة عنيفة منذ أن جثمت حكومة قحط على صدر الوطن بلا كفاءة ولا تكليف ولا شرعية غير الإدعاء والمزاعم، واجتاحت لجنة التمكين الفاسدة أسوار الهيئة القضائية وعمدت إلى إحالة أكثر من ٣٣٠ قاضي من خيرة القضاة علما وخبرة ونزاهة وورعا وجاءت بأفسد المحامين قضاة ثم أعقبتها بقضاة تمت إحالتهم للمعاش بعد أن ثبت تورطهم في جرائم تمس الشرف والنزاهة لا نريد الخوض فيها لاعتبارات تتعلق بسمعة القضاء نكتفي بالاشارة العابرة واللبيب بالأشارة يفهم.
لكن أهم ما تعرضت له القضائية طوال سنوات ((الفترة الانتقامية)) سيطرة لجنة التمكين عليها بعد أن ابتدعت بدعة سيئة ما عرف بنادي القضاة والذي أصبح رئيس القضاء طينة لينة في يديه يشكله كيف يشاء يأمره فيجيب ويطلب منه فيطع بسطوة الترغيب والترهيب وحالة الهياج الثوري التي تعرف الأقلية كيف تستفيد منها فتدمر كل الثوابت والمتعارف عليه ومن هنا تحول النادي إلى الأمر الناهي وصار أمامه رئيس القضاء كالميت بين يدي غاسليه..
حتى جاء مولانا عبدالعزيز رئيس القضاء الحالي والحق يقال ارتكب من الأخطاء التي كنا نظن أن البرهان سيقيله بعد الأربعة أشهر الأولى فقد شهدت القضائية في عهده ترديًا غير معهود أدى إلى مغادرة جزء كبير من القضاء البلاد مغتربين فلأول مرة في تاريخ القضاء يجوع القضاة وتسوء أحوال أسرهم حين حول موارد القضائية إلى أشياء غير ضرورية مثل إنشائه استراحتين في نهر النيل والشمالية وقصر فاخر في بورتسودان في وقت لا يستطيع معظم القضاة توفير مأكلهم ومشربهم فهل هناك مظملة أكبر ذلك وتجاوز يرفع فيها مستحقر الامور على أشرافها نقولها من باب النقد الذاتي لا من باب الجلد الذاتي فهذه مؤسسة لا يتسحق كبارها إلا أن يوصفوا إلا بالنزاهة والتجرد والزهد وبياض السيرة ..
وفوق ذلك فقد جاء الرجل بأضعف الكوادر غير المؤهلة((إذا استثنينا مولانا الصديق نائل)) بعد أن أفرغ الإدارات الهامة من كوادرها المؤهلة وخبراتها الحقيقية لأنه لا يريد بجانبه رجلًا قويًا ولا ناصحاً رشيداً وأمثال هؤلاء يتعلقون بضباط العلاقات العامة لا بالعلماء والناصحين..
وأكثر ما يدهش في أن محامية اتهمت الرجل بالفساد المالي ورغم ذلك رفض تقيد بلاغ في مواجهتها وغضت الحكومة الطرف في تشكيل لجنة تحقيق في الاتهامات التي أذكمت رائحتها الانوف وطبقت الأفاق.
وإني لأقسم صادق والله العظيم وكتابه الكريم لو كنت المسؤول لأقلته حتى ولو كان شريفًا نزيهًا فقط لأنه سكت على إتهام خطير كهذا وهو على كرسي حساس لا يحتمل التهمة العابرة والمظنة..
ما يهمنا في الأمر أن هذا الرجل لا قدرات حقيقية تبقيه إلا إذا صح ما يتداوله الرأي العام بأن هناك علاقة ما تجمعه بنافذين مثلت المصدر الوحيد لحمايته..
ومسك الختام إن أي تعديل في هذه المؤسسات لن تؤتي أكله ورئيس القضاء الحالي موجود في منصبه ومثل هذا الرجل يحتفظ بمعقده رغم كل الإتهامات التي ثارت حوله، فإن إقالته هي الأهم حتى يتسنم هذا الكرسي من يعيد للقضاء هيبته واستقلاله وينصف السادة القضاء ويمنحهم جل مخصصاتهم ويدافع عن حقوقهم ويحفظ لهم مكانتهم ويطهر القضائية من كل قاض فاسد سبق أن تمت احالته للمعاش وأعادته لجنة التمكين الفاسدة مرة ثانية رغم أنف نزاهة القضاء..
وأخر جملة في المرافعة إن قضاة السودان شرفاء،، مصدر ثقتنا ومستودع طمأنينتنا نعرف قدرهم ونجل ورعهم ونحفظ لهم مكانتهم فقد صنعوا لنا مجداً من العلم والعدالة والتجديد والفقة في الداخل والخارج، أما وقد آن الأوان بأن يتقدمهم قاض من قضاة المحكمة العليا من هم في قيمتهم وقامتهم..
أدركوا القضائية فهي أولى بالتغيير من المؤسسات العدلية الأخرى..
قديماً قال الرشيد لقاضي الخلافة الذي شاعت حوله بعض الشبهات التي تداولها الناس (حتي وأن كذبوا فهي كلمة قيلت وقد كرهك الناس فكرهتك فأبحث عن رزق في غيرها).
اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد..