رؤية جديدة السودان

✍ طارق عشيري : همسة وطنية ؛ بين النصر والإحباط هل نصنع التاريخ أم نكرر الفشل؟

-

عندما اتحدث للسودانيين بالخارج أشعر لديهم بنبره احباط عن حال السودان ومستقبله وكثير منهم يحدثني عن مااكتبه عن سودان مابعد الحرب لكن في نفس الوقت ينتابني احساس واحباط مثلهم وما المسيرات التي ضربت المرخيات وادت الي إنقطاع الكهرباء الا دليلا علي ذلك

الاحساس خاصة بعد الانتصارات التي تحققت علي يد الجيش وهي لحظات فارقة في تاريخنا ، فهي تعني أن الإرادة انتصرت على التحديات، وأن الأمل تجاوز محنة الإحباط. لكن التجربة الإنسانية، قديمها وحديثها، تؤكد أن أصعب امتحان للشعوب ليس في لحظة المواجهة، بل فيما يليها من اختبار: كيف نُحوِّل النصر إلى مشروع بناء، وكيف نحافظ على جذوة الأمل مشتعلة دون أن تنطفئ في دوامة الخلافات أو غياب الرؤية؟

في كثير من التجارب، نرى أن لحظة الانتصار تتحول سريعًا إلى خيبة إذا لم تُدار بحكمة. فالنصر العسكري أو السياسي لا يساوي شيئًا إن لم يُترجم إلى واقع ملموس في حياة الناس: استقرار، تعليم، صحة، وعدالة. وإذا غاب التخطيط، تحولت الانتصارات إلى مجرد شعارات تتناقلها الأجيال بحسرة، لا بفخر.

الخطر الأكبر يكمن في أن تتسلل الصراعات الصغيرة بين المنتصرين أنفسهم، فتضيع البوصلة الوطنية، ويعود الشعب إلى دائرة الإحباط وكأن شيئًا لم يتحقق. وهذا ما يجعل النصر الحقيقي ليس فقط في كسر التحديات، بل في القدرة على بناء وطن يُشعر المواطن أنه شريك في الإنجاز، لا مجرد متفرج.

إذن، اللحظة التي تلي الانتصار هي لحظة الوعي والاختبار. فإما أن نرتقي إلى مستوى التحدي ونجعل من النصر بداية لمشروع وطني جامع، أو نكرر دورات التاريخ حيث ضاعت الانتصارات في تفاصيل الخلافات. والخيار بين أن نصنع التاريخ أو نكرر الفشل، يظل دائمًا في يد الشعوب وقادتها.

إن السودان اليوم يقف على حافة هذا الامتحان التاريخي؛ فإما أن نستثمر الانتصارات في مشروع وطني ينهض بالبلاد من ركام الحرب، أو نسمح للصراعات والمصالح الضيقة أن تعيدنا إلى دائرة الإحباط التي عانينا منها لعقود. فلا معنى لانتصار لا يترجم إلى وحدة، ولا قيمة لأي شعارات إن لم تُثمر أمنًا، استقرارًا، وتنمية يلمسها المواطن البسيط. والسودان، الجريح الصامد، لا يحتمل جولة جديدة من الخيبات؛ فالنصر الحقيقي هو بناء دولة قادرة على حماية شعبها وصناعة مستقبلها، وإلا فإننا نكون قد أضعنا الفرصة الأخيرة.

إن النصر الحقيقي لا يقاس فقط بإنجاز المعارك أو تخطي العقبات، بل بقدرتنا على حماية ثمار ذلك النصر من التلاشي أمام رياح الإحباط واليأس. فإذا تركنا الإحباط يتسلل إلى النفوس بعد كل نجاح، سنجد أنفسنا ندور في دائرة مفرغة من التقدم والتراجع. لذلك، علينا أن نغرس الثقة في المستقبل، وأن نؤمن بأن كل خطوة للأمام مهما صغرت هي أساس لبناء الغد. فالنصر ليس محطة مؤقتة، بل هو بداية لمسيرة أطول تحتاج إلى وعي وصبر حتى لا يتحول الإنجاز إلى ذكرى، بل إلى واقع دائم ومستقبل واعد. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل