رؤية جديدة السودان

من 11 سبتمبر إلى مقتل تشارلي كيلرك ؛ إعادة توظيف الأحداث لتغيير قواعد اللعبة الدولية!! خاص : رؤية جديدة

-

أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة لم تكن مجرد هجمات على برجي التجارة والبنتاغون، بل شكلت نقطة تحوّل كبرى في النظام العالمي, فقد إنتشر بعدها مسمى إرهابي وداعمي الإرهاب ثم أطلق بعد ذلك ما يعرف «بالحرب على الإرهاب» كمفهوم جديد ومؤثر قوي في تخطي الإرث الدولي في حاكمية العلاقة بين الدول والقانون الدولي، فتغيّرت القوانين الدولية، وتوسعت صلاحيات الدول في المراقبة والتدخل العسكري، فيما برزت مسميات غير مسبوقة أعادت صياغة العلاقات بين الشرق والغرب. واليوم، مع حادثة مقتل تشارلي كيلرك بالطريقة التي وُثِّقت وانتشرت عالمياً، يثور السؤال: هل نحن أمام إعادة إنتاج لنفس السيناريو، أي إستثمار الدم في صناعة أجندة دولية جديدة؟

الشرعية الجديدة

الهجمات على أمريكا في العام 2001 مثّلت صدمة دولية قوية، فقد شاهد كل العالم كيف أن أمريكا بجبروتها وقوتها تستباح بكل سهولة ويفعل بها الأفاعيل في مشهد لا يقل إثارة من أعظم مشاهدة أفلام هوليود بل يتفوق عليه في إنه حقيقي بالفعل وليس تمثيلا، وذلك ما غذى الخوف العالمي لاحقا، فاستُثمرت هذه الهجمات لإعادة رسم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. ومن رحمها خرجت حربا أفغانستان والعراق، وأُنشئت منظومة قانونية جديدة تُشرعن المراقبة الجماعية والتدخل العسكري خارج الحدود تحت مسمى «محاربة الإرهاب». لقد كان الحدث مادة أولية لصياغة عالم مختلف، قوامه الأمن قبل الحريات، والشك قبل الثقة وبدعم كامل ودون إعتراض من أحد.

مشهد صادم ومجج للمشاعر

واليوم وقبل يوم واحد من ذكرى أحداث سبتمبر، جاء مقتل تشارلي كيلرك، والذي يُعد أحد أبرز النشطاء المؤيدين لترامب ومن الشخصيات الإعلامية المحافظة والمؤثرة في الولايات المتحدة فقد حصد ملايين المعجبين، وشارك في تأسيس منظمة تدافع عن السياسات المحافظة في المدارس الثانوية والجامعات، عام 2012، جاء مقتله بطريقة درامية ومصوّرة يتجاوز في أثره البُعد الجنائي البحت إلى التأثير العاطفي للمشهد، تماما كما كانت طائرات 11 سبتمبر مصورة وهي تنقض على برجي التجارة العالمية فأصبحت الصورة رمزا بعد ذلك، وبقدر ما أثار مقتل تشارلي الغضب الشعبي الأمريكي والغربي، فإنه كذلك فتح الباب أمام قراءات تتحدث عن توظيف سياسي وأمني محتمل، فكما استُخدمت أحداث 11 سبتمبر لإعادة تعريف مفاهيم مثل «العدو» و«الحرب»، قد يأتي إغتيال شخصية ذات رمزية قوية مدخلاً لتبرير سياسات أشد قسوة، سواء على مستوى مراقبة المجتمعات، أو تصنيف جماعات بعينها كتهديد وجودي.

تشابه الأحداث

التشابه بين الحدثين يكمن في الرمزية: فصور الطائرات التي إرتطمت بالأبراج تحولت إلى أيقونة عالمية استخدمت لتبرير حرب طويلة ما زال العالم الإسلامي يرزح تحت تأثيرها، واليوم قد تُستغل صور مقتل كيلرك بالطريقة التي انتشرت بها كأداة لتعبئة الرأي العام وإطلاق موجة جديدة من «إعادة صياغة الأجندات».

متغيرات عالمية، هل تكبح الجماح؟!

لكن الفارق الأساسي أن العالم بعد 11 سبتمبر كان أحادي القطبية، بينما اليوم يشهد تعددية في مراكز القوة (واشنطن، بكين، موسكو، بروكسل)، ما يعني أن قدرة طرف واحد على إحتكار «السردية» باتت أضعف. رغم ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيتمكّن النظام الدولي من مقاومة إغراء إعادة تدوير المأساة لتبرير سياسات جاهزة مسبقاً؟

مراهنة على وعي الشعوب

بين صدمة 11 سبتمبر ومشهد اغتيال تشارلي كيلرك، يبدو أن الدم ما زال وقوداً جاهزاً لتغيير المسارات الكبرى. وإذا كان الماضي قد قدّم للعالم «الحرب على الإرهاب» كإطار نفذ فيه أجندته ومرر فيه أهدافه، فإن الحاضر ربما يكون بصدد صياغة إطار آخر، يُبرر مزيداً من الرقابة والتشدد وربما الحروب الجديدة، الفارق أن وعي الشعوب اليوم أكبر، وتجارب العقدين الماضيين أثبتت أن توظيف المآسي قد يفتح أبواباً لا تُغلق بسهولة.