رؤية جديدة السودان

✍ عزمي عبد الرازق : لماذا أدافع عن رمزية السُلطة المدنية؟

-

ليس لدي أي تواصل مباشر أو غير مباشر مع رئيس الوزراء د. كامل إدريس، ولا مع دائرته الصغيرة أو الكبيرة، ولم يسبق أن زرته في بورتسودان، كما لا تربطني به أي مصلحة شخصية، غير أن لدي مصلحة وطنية، شأن كثير من السودانيين، في نجاح حكومة الأمل، فهي في تقديري الفرصة الأخيرة لبدء مسار صحيح، والطوق الذي يحول دون عودة شلة حمدوك ـ عملاء الاستعمار الجديد ـ تحت غطاء مدني يملأ الفراغ السياسي.

هذه الحكومة تمثل الخط الفصل بين الشرعية الانتقالية والشرعية الانتخابية، وبقليل من الاجتهاد يمكنها أن تعيد الأمور إلى نصابها داخلياً وخارجياً، وهو ما لم يتحقق منذ 25 أكتوبر 2021؛ سمه انقلاب البرهان وحميدتي أو الإجراءات التصحيحية أو ما شئت. وبالقدر ذاته، تستطيع الحكومة أن تفتح ملفات الإعمار والخدمات العامة، لتبرز الملامح المدنية للدولة وتمنحها وزناً، وتتيح لنا كسب الجولة الأخيرة في معركة الكرامة، عبر مشروع العودة الطوعية.

الأهم من ذلك كله هو بناء سلطة مدنية راسخة وقاعدة شعبية واسعة تحمي ظهر الجيش وتؤمن انتصاراته. فالأمر لا يرتبط بشخص كامل إدريس وحده، بل برمزية السلطة المدنية نفسها، إذ إن التحركات الدولية ـ بما فيها الرباعية ـ تسعى إلى الدخول من هذا الباب. ومن المفارقات أن الحملات المنظمة للإساءة والسخرية من رئيس الوزراء، والتي يشارك فيها البعض من داخل معسكر الجيش، إنما تصب في مصلحة المليشيا وكفلائها الخارجيين.

وفي النهاية، يبقى كامل إدريس رجلاً مؤمناً بالحريات، ولا أظنه سيلجأ إلى ملاحقة من ينتقده أو يسيء إليه، بل سيحتكم إلى قوة الموقف والفكرة، فلو قرر أن يرحل، أو أُجبر على ذلك، سنعود إلى المربع الأول، ولن نتوافق على شخصية مهما بلغت قدراتها، لأننا ـ في عادتنا ـ نميل إلى التبخيس، وصناعة مراكز القوى المنحازة لمصالحها. ومع ذلك أعتقد أنه يجب أن يُعيد ترتيب أوراقه وقراراته بصورة أكثر واقعية وحصافة، وأن يستعين بأهل الخبرة والكفاءة، وأن لا ينشغل بتصنيفات "إسلامي" أو "يساري"، فنحن في معركة مصيرية، والمعيار هو القناعة الراسخة بهذا المبدأ.