رؤية جديدة السودان

زيادات الإيجارات بعد الحرب.. أزمة جديدة تهدد الأسر السودانية بالتشرد تقرير : محجوب أبوالقاسم

-

في الوقت الذي يحاول فيه السودانيون استعادة أنفاسهم بعد سنوات الحرب القاسية، برزت إلى السطح أزمة جديدة تهدد الاستقرار الاجتماعي والمعيشي للمواطنين تتمثل في الزيادات التعسفية للإيجارات ومطالبة بعض الملاك بإخلاء المستأجرين، ما يضع آلاف الأسر والأنشطة الصغيرة أمام شبح التشرد والانهيار الاقتصادي.

*نداء عاجل للسلطات*

وجهت مدام نضال العبيد رسالة مفتوحة إلى وزير العدل ووالي الخرطوم وكل الجهات المختصة، دعت فيها إلى التدخل العاجل لوقف الزيادات غير المبررة ومنع إخلاء المستأجرين قسرا خلال هذه المرحلة الحرجة.

وأكدت الرسالة أن المواطنين المتضررين خاصة المستأجرين من أصحاب العقارات السكنية والتجارية، يواجهون أوضاعا إنسانية صعبة في ظل انعدام القدرة المالية على دفع تكاليف إضافية أو البحث عن بدائل سكنية وتجارية.

وطالبت العبيد السلطات بـإصدار قرارات توقف الزيادات التعسفية ومنع الإخلاءات القسرية بالإضافة إلى وضع ضوابط تحفظ حقوق المالك والمستأجر معا وتشكيل لجان لمراقبة تنفيذ القرارات من الجهات المعنية

*جذور الأزمة*

قال الأستاذ عمر سيكا رئيس مبادرة معركة الكرامة والحسم الإعلامية في مقال كتبه عن الموضوع أن الحرب فرضت واقعا مأساويا منذ بدايتها حيث تسببت في نزوح وتهجير واسع، قبل أن ينجح الجيش في تحرير العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات، ومع عودة المواطنين طوعا إلى منازلهم ومحالهم التجارية برزت أزمة العلاقة التعاقدية بين الملاك والمستأجرين.

وتتمثل أبرز الخلافات في عدة نقاط اهمها في تمسك الملاك بعدم إسقاط الأجرة الشهرية خلال سنوات الحرب وفرض زيادات بمبالغ "مليونية" بعد التحرير بحجة التضخم والخلاف حول مسؤولية إدخال الخدمات الأساسية (مياه، كهرباء) التي انقطعت بسبب الحرب.

هذه النزاعات أخذت طريقها سريعا إلى أروقة المحاكم وسط مخاوف من أن تتحول إلى شرخ اجتماعي يهدد القيم التكافلية والإنسانية التي ميزت المجتمع السوداني لعقود.

*قراءة قانونية للأزمة*

المحامي الأمين حسين الزبير أوضح أن العلاقة بين المالك والمستأجر تحكمها قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"، إلى جانب قانون خاص بإيجار المباني. لكنه أشار إلى أن نظرية الظروف القاهرة، والمتمثلة هنا في الحرب، يمكن أن تغير التكييف القانوني للعلاقة الإيجارية.

وبين أن النزاعات تنقسم إلى ثلاث صور رئيسية استمرار المستأجر في العقار طوال الحرب وذلك يلزمه دفع الإيجار، مع سلطة تقديرية للمحكمة في إخلائه أو جدولة المبالغ وإخلاء المستأجر للعقار كليا ويتيح للمؤجر فسخ العقد أو إنشاء عقد جديد اوترك المستأجر متعلقاته داخل العقار يعد استمرارا ضمنيا للعقد، مع إمكانية تقدير الإيجار كاملا أو نصفه وفق اجتهاد المحكمة.

وأكد الزبير أن المعالجة تحتاج إلى اجتهاد قضائي يعتمد على روح القانون وظروف النوازل مع الاستناد إلى قيم التسامح والتكافل التي طالما ميزت المجتمع السوداني.

*بين العدالة والقيم* يبرز سؤال جوهري هل يتجه السودانيون نحو حلول قانونية صارمة فقط أم يعودون إلى تراثهم القيمي والإنساني الذي يحث على التراحم والتساهل في الأزمات؟

ففي الوقت الذي يرفع فيه المواطنون شعار "الضعيف إن وقع بيناتنا بنسندوا"يبقى الأمل أن تستجيب السلطات سريعا وتضع ضوابط تحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات لتجنب تفاقم أزمة اجتماعية جديدة فوق جراح الحرب.

*المطالبة بقوانين جديدة للإيجارات تراعي أوضاع ما بعد الحرب*

دعا المحامي الأستاذ عمر عبد العزيز محمد الهادي إلى ضرورة سن تشريعات جديدة تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر بما يتماشى مع الأوضاع الاستثنائية التي أفرزتها الحرب وما صاحبها من نزوح وتشرد وظروف قاهرة خارجة عن إرادة المواطنين.

وأوضح عبد العزيز أن العلاقة بين المستأجر والمالك قبل اندلاع الحرب كانت تخضع لقوانين الإيجارات، مثل قانون إخلاء المباني لعام 1991م وقانون المعاملات المدنية لعام 1984م، وهو ما كان ينظم حقوق الطرفين بشكل واضح. غير أن الظروف المستجدة بعد الحرب فرضت واقعاً جديداً يتطلب حلولاً مختلفة.

وشدد على أن المحاكم مطالبة عند نظر قضايا الإيجارات بمراعاة قواعد العدالة والوجدان السليم، والاحتكام إلى المبادئ العامة للإنصاف بحيث يتم التعامل مع كل قضية وفق ظروفها الخاصة، بعيداً عن النزعات الشخصية القائمة على الطمع والجشع والأنانية.

كما دعا المشرعين إلى الإسراع في صياغة قانون جديد يواكب هذه المستجدات ويحقق التوازن المطلوب بين الملاك والمستأجرين، مؤكداً أنه لا يمكن ترك المواطنين يخضعون لأمزجة فردية ورغبات آنية في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الجميع.

*مناشدة لوزارة العدل*

في خضم هذه الأزمة يناشد المواطنون وزارة العدل بوصفها الحارس الأمين للحقوق بضرورة التدخل العاجل لتعديل قوانين الإيجارات بما يواكب الظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب ويؤكد المتضررون أن القوانين الحالية باتت عاجزة عن معالجة الواقع الجديد وأن العدالة تقتضي وضع إطار قانوني متوازن يراعي حقوق الملاك ويصون في الوقت نفسه حق آلاف الأسر في السكن الآمن بعيدا عن شبح الطرد والتشرد.

في الختام أن

أزمة الإيجارات بعد الحرب لم تعد مجرد نزاع قانوني بين الملاك والمستأجرين، بل تحولت إلى قضية اجتماعية تمس حياة المواطنين واستقرارهم. وبينما تتباين وجهات النظر بين الالتزام الحرفي بالقانون والاحتكام إلى القيم السودانية الراسخة في التكافل والرحمة، يبقى الأمل معلقا على استجابة السلطات لتصحيح المسار وسن تشريعات عادلة تمنع تفاقم الجراح وتفتح الطريق أمام تعايش سلمي يعيد الثقة بين أبناء المجتمع الواحد.