رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : صدى الثقة ؛ حين يصدح الفعل ويصمت الثناء

-

في زمن ضجّت فيه المنابر الرقمية بهدير المديح وطنين التزكيات يبرز تساؤل جوهري: ما هي القيمة الحقيقية للثناء؟

إنّ الفطرة الإنسانية السليمة لتهمس دائمًا بالحق "الواثق بنفسه لا يحتاج لمدح الناس، ومن يطلب الثناء فقد شكَّ في قيمة نفسه".

هذه العبارة ليست مجرد قول مأثور بل هي بوصلة تُشير إلى جوهر القوة والاستقلالية الحقيقية.

ان فخ الأيام الحالية هى بيع الأوهام على منصات المجد الزائف.

نحن نعيش الآن في عصر تكالبت فيه عادات المدح والتملق داخل المنتديات والقروبات الافتراضية ليس إجلالاً لقدر أو اعترافًا بفضل، بل كـ جسر زائف تعبر عليه شخصيات نحو المناصب الرفيعة. والمفارقة المؤلمة أن هؤلاء الممجَّدين الذين تتوالى فيهم التزكيات المُبالغ فيها، هم أنفسهم من كانوا في يوم ما وزراء ومدراء بل إن سجلهم مليء بـ هضم حقوق العباد والوصول بمؤسسات الدولة إلى نقطة التَّأزُّم التي لا يُرجى لها إصلاح سريع.

إنَّ تلميع هؤلاء وتبجيلهم بصفات ليست فيهم هو في حقيقته كذب وادعاء واضح، وسلوك سلبي يُصنَّف ضمن خانة الغش والتملق النفعي. إنه تضخيم للحقائق ومغالطة تستهدف تزييف وعي الجمهور وتشويه معايير الكفاءة الحقيقية. المؤسف أن المجتمع بات يشهد ظاهرة تقديس "المنصب" وتزكية "الشخص" بناءً على طلب

أومنفعة متناسيًا أن المجد الأصيل لا يُشترى بكلمات مُنمّقة.

ان ميزان القيمة الحقيقية الفعل لا القول.

دعونا نُعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح.

إنَّ الشخصية الجديرة بالاحترام والمكانة الرفيعة لا يُعلي شأنها المديح المدفوع أو التزكية الموجهة بل إنها تُنحت وتتألق بـ:

* فعلها: الذي يُترجم الأقوال إلى إنجازات ملموسة.

* خبراتها وتعاملها التي تشهد على حكمة ورزانة في الإدارة والقيادة.

* علمها وصدقها وإخلاصها وهي الركائز التي تُبنى عليها الثقة الحقيقية.

* أمانتها ونزاهتها الصفات التي تُجنّبها الوقوع في آفة هضم حقوق البشر وظلمهم.

الشخصية القوية والمستقلة هي تلك التي لا تنتظر شهادة من أحد فـ أثرها هو شهادتها، وإنجازها هو تزكيتها، وعملها المخلص هو صوتها الذي يصدح بالحق.

إنَّهم أولئك الذين يحملون شعلة العدل والتجرد، ويأبون أن يستغلوا مناصبهم لسحق كرامة أو تضييع حق.

فلتدعوا الأصوات المرتفعة بالمديح الزائف تخبو ولنركز الأنظار على الجوهر الثابت، فالمستقبل لا يُبنى بالكلمات الجوفاء، بل بـ الكفاءات المُنزهة التي تقود بعزم وبصيرة، ثقةً منها بقيمتها،

لا خوفًا من نقد أو حاجة لثناء.

هل آن الأوان لأن نُطلق حملة واعية لإعادة الاعتبار لمعايير النزاهة والكفاءة الحقيقية، ونُسقط أقنعة المدّاحين والمُزكّين بغير حق؟.

اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا وولى علينا خيارنا .