رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ خطاب للتاريخ

-

جاء خطاب رئيس وزراء حكومة الامل د. كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، حدثاً فارقاً في تاريخ السودان السياسي والدبلوماسي. فقد اتسم الخطاب بعمق الطرح وشجاعة الموقف، مقدماً رؤية واضحة للعالم حول معاناة الشعب السوداني، ومسار حكومته المدنية نحو تحقيق السلام والاستقرار.

لم يكن حديث د. كامل إدريس مجرد كلمات بروتوكولية، بل جاء معبّراً عن آمال وتطلعات السودانيين الذين أنهكتهم الحرب. إذ شدد على أن السودان يمرّ بمرحلة تاريخية حساسة، وأن الشعب يستحق الدعم لا العقوبات، والحلول العادلة لا التدخلات الجزئية.

وضع د. كامل إدريس المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية، عندما وصف بوضوح الجرائم التي حدثت في الحرب من قتل واغتصاب وتشريد وتدمير ممنهج، مؤكداً أن هذه الجرائم ليست فقط ضد السودان، بل ضد الإنسانية جمعاء. هنا ارتقى الخطاب لمستوى "الوثيقة التاريخية"، لأنه سجّل للتاريخ حجم المأساة.

لم يكتفِ د. كامل إدريس بالإدانة، بل قدّم خريطة طريق وطنية متكاملة: وقف إطلاق النار، انسحاب المليشيا، عودة النازحين، وصول المساعدات الإنسانية، وحوار وطني شامل يقود لانتخابات حرة ونزيهة. هذه الرؤية مثلت حلاً عملياً، ووضعت العالم أمام خيار دعم السودان أو تركه ينزف.

أكد د. كامل إدريس أن السودان لن يقبل الوصاية، ولن يرضى بتدخلات أجنبية تنتقص من سيادته. وهو بذلك أعاد للأذهان مواقف القادة التاريخيين الذين واجهوا الضغوط الدولية بإرادة صلبة، مستندين إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها.

لم يقتصر الخطاب على الشأن الداخلي، بل تناول قضايا الشرق الأوسط والعالم. أبرزها الموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ورفض الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر. وبذلك أظهر السودان كدولة فاعلة ومسؤولة في محيطها العربي والإقليمي.

خطاب د. كامل إدريس أمام الأمم المتحدة لم يكن مجرد بيان رسمي، بل كان شهادة للتاريخ، تسجل أن السودان رغم جراحه ما زال يقف شامخاً، يطالب بحقه في السلام والسيادة والكرامة. لقد وضع الرجل المجتمع الدولي أمام امتحان أخلاقي وسياسي: إما أن يقف مع إرادة الشعوب، أو أن يواصل سياسة التجاهل التي لا تجلب سوى مزيد من الأزمات.

في خطابه للتاريخ أمام الأمم المتحدة، لم يكتفِ الدكتور كامل إدريس بأن يضع السودان في قلب الحضور الدولي، بل حمل معه (الهمسة الوطنية) كصوت الضمير الجمعي لشعبٍ يرفض الاستسلام للظروف ويبحث عن مستقبله بعزمٍ لا يلين. تلك الهمسة التي ظلّت تعكس وجع الوطن وآماله، انسابت بين كلماته لتؤكد أن السودان ليس مجرد قضية سياسية تُناقش في المحافل، بل هو وطنٌ نابض بالكرامة، وأرضٌ لها رسالة إنسانية عميقة.

لقد جاء الخطاب كترجمة صادقة لذلك النداء الوطني: دعوة للسلام، ولإعادة بناء السودان على أسس العدالة والحرية، ودعوة لوحدة الصف حتى لا تضيع التضحيات. وكأن (الهمسة الوطنية) صارت خلفية موسيقية للخطاب، تذكّر العالم بأن شعب السودان، رغم الجراح، ما زال يملك القدرة على الحلم، وما زالت جذوة الأمل متقدة فيه. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل