✍ أحلام محمد الفكي : السودان ينزف وقبضة الاحتكار تخنق أنفاس الشعب ؛ متى يعي الجميع الدرس؟؟؟

السودان ينزف... ليست مجرد عبارة عابرة، بل هي حقيقة قاسية تلسع الوجدان وتدمي القلوب. بلدنا الحبيب، سلة غذاء العالم ومهد الحضارات يئن تحت وطأة حرب ضروس وخلافات تمزقه، ومأساة لا تكاد تفارق صفحات نشرات الأخبار. لكن النزيف ليس عسكريًا فحسب، بل هو نزيف في الروح والأخلاق والضمير. ففي الوقت الذي تتساقط فيه الأرواح وتتزايد فيه فجوات النزوح والفقر، يطل علينا وجه آخر أشد قسوة وأكثر خسة ..وجه الظلم والفساد والاحتكار.
في خضم المعاناة والأوبئة التي تفتك بأهلنا من أمراض لا ترحم إلى سيول وفيضانات لا تبقي ولا تذر، يمارس البعض سياسة الاستغلال الأجوف والتضييق الجائر. إنهم أناس يتاجرون في آلام شعبهم ويستغلون حاجته، متناسين كل وازع ديني أو أخلاقي. احتكار السلع الأساسية من طعام ودواء، ليس مجرد "خطأ اقتصادي"، بل هو جريمة إنسانية واجتماعية تتعدى حدود المصلحة المادية لتصيب صميم كرامة الإنسان وحقه في الحياة.
بالأمس، تكرر المشهد البائس: إلقاء القبض على خلية تخزن أدوية حيوية كالـ "بندول" و"دربات الملح"، تلك الأدوية التي باتت بمثابة الماء والهواء للمواطن المنهك. وكم هي مؤلمة الحقيقة عندما نعلم أن مؤسسات يفترض بها أن تكون درعاً صحياً للأمة، قد تكون شريكاً بطريقة أو بأخرى في هذا التسريب والاتجار غير المشروع!
هذا هو الفساد بعينه والظلم المستشري، والاحتكار القاتل. إنها آفة ماحقة أهلكت الأمم السابقة وأنزلت بها الخراب والهلاك، سواء كان هلاكاً كلياً أم انتقاماً جزئياً على هيئة "طاعون أو طوفان أو كوارث" تزيد من شقاء الناس.
نحن نعيش حرباً، ونعاني خلافات وفساداً وظلماً، ونُبتلى بالأوبئة والكوارث الطبيعية. كل هذا يقع ونحن، ويا للأسف، لم نَعِ الدرس بعد! لم نتوقف لنأخذ العبرة، ولم ننفض عن أنفسنا غبار الذنوب والتخاذل.
نتطلع إلى النصر والسلام والاستقرار، فكيف يتحقق هذا المطلب النبيل وفينا قوم جبارون وظالمون وفاسدون يمارسون الاحتكار ويقتاتون على جراح الأمة؟
كيف يأتي النصر ونحن لم ننظف أنفسنا من هذا الوباء الداخلي الذي هو أشد فتكاً من الرصاص؟
كيف يشرق فجر السلام وفينا من النافذين من يمارس الظلم والفساد بلا رادع أو خوف؟
إن التغيير لا يبدأ من سماء الوهم، بل من أرض الضمير المستيقظ. لن يكتب لنا النصر ولن يحل علينا السلام ما لم نتجرد من هذه الآثام المهلكة ونقف في وجه الظلم والاحتکار والفساد، مهما كان مرتكبوه. النصر الحقيقي هو انتصارنا على أنفسنا وشياطين مصالحنا الضيقة أولاً.
يا أهل السودان الأوفياء، إن بصيص الأمل يكمن في صوت كل شريف يرفض الظلم، وفي قبضة كل يد تمد العون بصدق، وفي ضمير كل مسؤول يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
فمتى نعي الدرس؟ ومتى نختار طريق النور بدلاً من طريق الفساد والظلام.؟
اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا وولى علينا خيارنا.