رؤية جديدة السودان

✍ د. ماجد السر عثمان : مراسي

-

كأنما المعصية حين تلازم المرء دهراً تملُّه، فتعافه وتتركه، فيحسب أنه اهتدى إلى التوبة… وهكذا بعض المواقف، تراها تتهاوى من تلقاء نفسها بعدما استنزفت ما عند أصحابها. نسأل الله أن يعافي بلادنا من وباء العمالة كما يعافي عباده من رجس الخيانة.

لقد كشفت الحرب وجهها المرير، فلم تُظهر فقط حجم الدمار في الحجر والبشر، بل عرّت أيضاً عجز بعض النفوس. أناسٌ لا أثر لهم في علمٍ ولا عمل، ولا بصمة لهم في إبداع أو صنعة، ومع ذلك انتفخت أقدارهم كفقاعة، وتكدّست بين أيديهم القصور والنعيم… لا لشيء إلا أنهم حملوا لافتة السياسة.

كانت الحرب سوقاً رائجةً لهم، يبيعون فيها المواقف ويشترون الولاءات، حتى امتلأت أرصدتهم، بينما فرغت قلوبهم من الوفاء. ولكن الوطن لا يُقاس برصيدٍ ولا قصر، بل بصبر أهله وصدق من حملوا رايته في الشدائد.

إنها سنة الحياة: يمتحن الذهب في النار، وتنكشف المعادن عند العواصف. ويبقى للوطن وجهه المضيء، ما دام فيه من لا يبيع نفسه بثمن بخس، ولا يساوم على ترابه وإن ضاق به العيش.