رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ الخرطوم وحرب البقاء على القيم

-

ماشاهدته عبر فيديو عن مداهمه الأجهزة الأمنية لمنطقة مايو جنوبي الخرطوم ووجود العديد من معتادي الاجرام ومنهوبات سكان الخرطوم يطرح سؤال هل لازلت الخرطوم تواصل جراحتها وتنتهك من هؤلاء الذين احتنضهم سنوات حبا وودا فكان الجزاء نهبا واغتصابا وانتهاكا لكل شىء متي يتم ردعهم متي تسترد الخرطوم كرامتها وهيبتها ومكانتها

الخرطوم، عاصمة السودان، ليست مجرد جغرافيا يلتقي عندها النيلان، بل هي مرآة تعكس وجدان الأمة ومخزن القيم التي شكّلت هوية الشعب السوداني عبر القرون. في أسواقها، مدارسها، مساجدها وبيوتها الشعبية، تتجلى معاني الكرم والشهامة والوفاء، حتى صارت المدينة رمزًا لصمود الإنسان السوداني في وجه الأزمات والتحولات.

غير أنّ الحرب الأخيرة وضعت الخرطوم في مواجهة قاسية مع ذاتها، فلم تعد المعركة حول بقاء المباني أو المؤسسات فقط، بل حول بقاء القيم نفسها. لقد انكشفت حقيقة أن الصراع الأكبر ليس مع الدمار المادي وحده، بل مع الانهيار الأخلاقي والاجتماعي الذي يهدد أي مجتمع حين تضيق به سبل العيش ويغيب القانون.

ورغم قسوة المشهد، فإن الخرطوم أظهرت وجهًا آخر مضيئًا؛ وجه التضامن الشعبي والتكافل الإنساني. فقد فتح الناس بيوتهم للنازحين، وتقاسموا اللقمة مع من فقدوا قوت يومهم، ووقفت الأسر بجانب بعضها البعض في أبهى صورة تعكس معدن السودانيين الأصيل. هذه المواقف لم تكن استثناءً، بل هي امتداد لجذور متينة غُرست في تربة هذه المدينة منذ نشأتها.

لكن في المقابل، برزت أيضًا ظواهر سالبة، من استغلال حاجة الناس وغياب المؤسسات، إلى مظاهر الفوضى والانتهازية. وهذا التناقض يعكس حقيقة أن الحرب ليست مجرد معركة بالسلاح، بل امتحان صعب يحدد ما إذا كانت القيم قادرة على الصمود أم ستنهار تحت ضغط الخوف والجوع.

إن حرب الخرطوم اليوم يمكن تسميتها بـ "حرب البقاء على القيم"، لأنها تحدد المسار الذي سيسلكه السودان بعد أن تضع المعارك أوزارها. فإذا تمسك الناس بقيمهم الأصيلة، فستعود الخرطوم لتنهض من تحت الركام أقوى وأكثر إشراقًا. أما إذا تآكلت تلك القيم، فإن إعادة الإعمار ستبقى ناقصة، لأن العمران بلا أخلاق كجسد بلا روح.

وفي النهاية، يظل الرهان الحقيقي على وعي الشعب وقدرته على الحفاظ على ما يجعله مختلفًا ومتماسكًا. الخرطوم ليست فقط ساحة حرب على الأرض، بل ساحة امتحان للقيم في النفوس. ومن يكسب هذه الحرب سيكسب المستقبل كله.

إن الخرطوم اليوم ليست مجرد مدينة تحارب للبقاء، بل رمز لمعركة أعمق وأخطر، معركة الحفاظ على القيم التي شكّلت وجدان السودانيين عبر التاريخ. فإذا صمدت هذه القيم أمام عواصف الحرب، فإن الخرطوم ستنهض من جديد، أقوى وأجمل وأكثر إشراقًا. أما إذا انهارت، فلن يجدي بناء الحجر ما لم يُبْنَ الإنسان. ومن هنا، فإن مسؤوليتنا جميعًا أن نجعل من الخرطوم ساحة انتصار للقيم قبل أن تكون ساحة انتصار للسلاح، لأن مستقبل السودان كله مرهون بما نربحه في هذه الحرب الأخلاقية. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل