رؤية جديدة السودان

✍ أحلام محمد الفكي : كيف يمكن للسودان إنهاء مرامز العشوائيات دون هدم المجتمع

-

تُمثل المناطق العشوائية في السودان، أو ما يُعرف محلياً بـ "مرامز السكن العشوائي" واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في المشهدين الأمني والاجتماعي. فهي من جهة انعكاس مباشر لفشل السياسات التخطيطية والاقتصادية عبر عقود ومن جهة أخرى بؤر هشّة تحولت إلى ملاذات لعناصر الجريمة المنظمة وبعض الميليشيات. مما جعلها مصدراً دائماً للقلق الأمني.

الأخبار الأخيرة حول انتشار مجموعات من معتادي الإجرام والتمرد داخل هذه الأحياء أعادت المخاوف من تمدد الخلايا المسلحة، ليس في الخرطوم وحدها، بل في ولايات السودان الأخرى.

وهذا يضع الدولة والمجتمع أمام معادلة حساسة..

كيف يمكن احتواء المخاطر الأمنية دون اللجوء إلى معالجات صادمة قد تزيد من تفكك النسيج الاجتماعي؟

لكن ما يجب ألا يُغفل في هذا السياق هو أن هذه

"المراكم السكنية" ليست مجرد بؤر للفقر أو الانفلات، بل تمثل أيضاً الخزان البشري الأساسي لمعظم العمالة في السودان. إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 85% من العمالة في مجالات المصانع، وقطاعات البناء، والسباكة، والكهرباء، وحتى الأنشطة الصناعية والخدمية، تأتي من سكان هذه المناطق العشوائية. أي أن هذه الفئات، على الرغم من هشاشة أوضاعها المعيشية، تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

إنّ التعامل مع هذه القضية من زاوية أمنية بحتة لا يكفي، بل قد يأتي بنتائج عكسية، إذا لم يُصاحب ذلك تصور شامل للإصلاح الحضري والتنمية الاجتماعية. ان التجربة الأمريكية في "التجديد الحضري" منتصف القرن العشرين تُظهر بوضوح أن الهدم وحده لا يكفي،

بل قد ينتج أشكالاً جديدة من التهميش.

وعليه، فإن أي مسار إصلاحي في السودان ينبغي أن يقوم على أربع ركائز مترابطة:

*إصلاح حضري مخطط: يوفر سكنًا آمناً مزوداً بخدمات أساسية.

*معالجات اقتصادية مستدامة: تستهدف دعم هذه القوى العاملة وفتح مسارات إنتاج وفرص عمل منظمة.

*دمج اجتماعي وأمني: يعزز الثقة بين الدولة والسكان ويحد من تغلغل الجريمة والميليشيات.

*شراكة مجتمعية حقيقية: تجعل السكان شركاء في الحل، لا متضررين منه.

الخلاصة أن "مرامز العشوائيات" ليست مجرد تحدٍ أمني، بل هي في جوهرها معضلة حضرية واقتصادية واجتماعية متشابكة. نجاح السودان في معالجتها سيعني ليس فقط تقليص المخاطر الأمنية، بل أيضاً تحرير طاقات بشرية هائلة يمكن أن تتحول من مصدر قلق إلى رافعة للتنمية.

ونامل ان يوفق الله قيادتنا إلى مافيه خير العباد والبلاد .