رؤية جديدة السودان

السودان في أسبوع : حين تجتمع الكوارث .. السودانيون يقاومون كل ما يثقل كاهلهم بالأمل والإصرار على البقاء

-

بينما كان رئيس الوزراء د. كامل إدريس يوجه رسائل الأمل في مؤتمر صحفي حول خطط الحكومة لمجابهة التحديات، كانت البلاد تواجه في الوقت نفسه أزمات متشابكة، فيضانات تجتاح القرى والمدن وتترك خلفها خسائر فادحة، ومليشيا الدعم السريع المتمردة تواصل إستهداف المدنيين في الفاشر رغم خسائرها في كردفان، فيما تحارب وزارة الصحة على جبهة أخرى لا تقل خطورة ضد أمراض الخريف التي تتفشى مع تدهور البيئة والخدمات.

هذا التداخل بين السياسة والميدان، بين الخطاب الرسمي وواقع الأزمات، يرسم لوحة معقدة للسودان خلال الإسبوع الماضي.

تصريحات بين الواقع والطموحات

رئيس الوزراء د. كامل إدريس شدد في مؤتمره الصحفي الذي عقده عقب عودته من المشاركة في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (80) على أن "الحكومة لا تغفل عن معاناة الناس اليومية"، مضيفاً أن خطة الاستجابة الوطنية تقوم على ثلاث ركائز، الإغاثة العاجلة وتتمثل في توفير الغذاء والدواء والإيواء للمتضررين، الأمن والاستقرار ويتمثل في مواجهة التمرد والإنتهاكات وحماية المدنيين، والتحضير للموسم الزراعي الشتوي بتأمين المدخلات الزراعية وحماية مشاريع الري.

وقال إدريس: "أدرك أن التحديات جسيمة، لكننا سنظل نعمل مع شركائنا الإقليميين والدوليين لتخفيف آثار الكوارث على شعبنا."، كما تناول عددا من الموضوعات التي بحثها في نيويورك مع قادة العالم والمنظمات الدولية أبرزها فك حصار الفاشر وحماية المدنيين من جرائم مليشيا الدعم السريع المتمرة، بجانب عودة السودان لعضويته في الإتحاد الأفريقي، بينما كانت النقطة الأبرز هي مشاركة د. كامل نفسه قائدا وفد السودان في الإجتماعات الأممية كرئيس وزراء مدني وهو ما ظل مطلبا للمجتمع الدولي حتى قبل إندلاع الحرب.

فيضانات مدمرة وأرقام مفزعة

بلغ فيضان النيل وفرعيه الأبيض والأزرق ذروته في ولاية الخرطوم الأسبوع الماضي، حيث إجتاح مناطق سكنية شاسعة في الخرطوم والخرطوم بحري، وفي أم درمان، غمرت المياه المساحات الزراعية الواقعة على ضفاف النيل، ما تسبب في إتلاف عدد كبير من المحاصيل، كما وصلت المياه إلى المناطق السكنية المحاذية للنيل.

ويواجه المواطنون الذين شردهم الفيضان المفاجئ لنهر النيل في قرى شمال مدينة الخرطوم بحري ظروفا إنسانية صعبة، حيث أفادت مصادر مطلعة أن المتضررين يعانون من عدم توفر مواد الإيواء ومياه الشرب والخدمات الصحية وخدمة الكهرباء، والمعدات الواقية من الحشرات الناقلة للأمراض.

وفي ولاية سنار أكد مزارعون أن فيضان النيل الأزرق تسبب في إتلاف محاصيل رئيسية مثل الموز، والليمون، والمانجو، خصوصا في المناطق المطلة على النيل الأزرق.

ورغم انحسار مياه الفيضانات حذرت السلطات من توابعه خصوصا ركود المياه التي تعتبر بيئة مثالية لتوالد الكائنات الناقلة للأمراض.

ووفقاً لتقارير وزارة الزراعة الري، أن وارد المياه في النيل الأزرق قد تجاوز حيز 700 مليون متر مكعب في اليوم، مع إرتفاع الوارد من المياه كذلك في النيل الأبيض مما أدى إلى فيضان مفاجئ خلف كل هذا الدمار والخراب، وتحدثت تقارير إعلامية عن تسبب سد النهضة الإثيوبي في تلك الكارثة بسبب عدم التنسيق في تشغيل السد، إلا أن وزارة المياه والطاقة الإثيوبية قالت في بيان لها ”لا علاقة لنا بفيضان السودان“ وأرجعت أسبابه لزيادة تدفق مياه النيل الأبيض وليس سد النهضة.

الفاشر: المدنيون في مرمى النيران

في غرب البلاد، تتواصل الإنتهاكات بحق المدنيين في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. فبحسب بيان صادر عن "تنسيقية لجان المقاومة" بالولاية، قصفت مليشيا الدعم السريع المتمردة أحياء سكنية وتجمعات مدنية الإسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل عددا من المدنيين بينهم 7 أطفال، وإصابة ما لا يقل عن 41 شخصاً بجروح متفاوتة.

ويأتي هذا التصعيد على المدنيين رغم الخسائر التي مُنيت بها المليشيا الإرهابية في جبهات كردفان المختلفة، حيث أفادت تقارير ميدانية بفقدانها لأكثر من 300 مقاتلا.

الأوبئة جبهة أخرى لا تقل خطورة

وزارة الصحة أعلنت عن مواصلتها في مكافحة إنتشار أمراض الخريف عبر حملات الرش والتوعية عقب الإستنفار الكبير الذي تم في ولاية الخرطوم، كما أكدت مواصلة جهودها في توفير الأدوية الازمة بالمراكز العلاجية والمستشفيات، مشيرة إلى أن تضافر كل هذه الجهود من شأنه حسر موجة الأمراض في الفترة المقبلة.

وترتكز جهود وزارة الصحة حالياً على:

نشر فريق استجابة سريعة في الولايات الأكثر تضرراً.

توزيع ناموسية مشبعة لمكافحة البعوض.

تشغيل محطات كلور متنقلة لتعقيم مصادر المياه.

إطلاق حملات توعية عبر الإذاعات المحلية حول الوقاية من الكوليرا والإسهالات المائية ومكافحة الباعوض.

دعم المستشفيات الميدانية بإمدادات دوائية تكفي لـثلاثة أشهر مقدمة من منظمة الصحة العالمية.

كما تتعاون الوزارة مع الهلال الأحمر السوداني في إنشاء مراكز علاجية متنقلة في ولايات النيل الأبيض، الجزيرة، وكسلا، لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات الصحية.

وبين هدير المياه الذي غمر البيوت والمزارع، وصدى القذائف الذي يحصد المدنيين في الفاشر، والمستشفيات التي تئن تحت وطأة المرضى، تقف البلاد على مفترق طرق، فالكلمة التي تُقال في قاعة المؤتمرات لن يكون لها وزن ما لم تتحول إلى فعل يلمس حياة الناس، والإغاثة لن تجد معناها ما لم تصون أرواح الأبرياء، والصحة لن تؤتي ثمارها ما لم تُحمى القرى من الأوبئة والفيضانات وآثارها. هي لحظة اختبار لصلابة الدولة، ولإرادة شعب اعتاد أن يقاوم كل ما يثقل كاهله بالأمل والإصرار على البقاء.