✍ آدم تبن : حكاية من حلتنا ؛ حبوبة القمرة وأحاجي الحبوبات

للأسرة الممتدة فى بلادنا نظرة إجتماعية لا تخطها العين، ويابخت من عاش بين الجدود والجدات ، فللحبوبات أحاجى لاتنسى على مر الدهور والأزمان خاصة عندما يكون الهلال بدرا مكتملا ضيائه حينما تضى الأرض والسماء بذلك الضوء الذى يحيل سكون الليل البهيم الى حركة ونشاط يتواصل الى قرب إنبلاج الفجر ، فهنا فى ريفنا الحبيب يهرع الصغار الى تلك الحبوبة الجالسة على سريرها لتروى لهم من الأحاجى التى تحفظها كأنها تقرأ من كتاب تمسكة بين يداها ، يجلس الصغار مع الحبوبة وتسمع منهم (حبوبة القمرة أدينا تمره) ويطلبون منها (حجوية) بكسر الحاء والواو تجدها تسرد تفاصيلها بإتقان ومعرفة لا يظهر على وجهها الملل أو التكدر ، بل تجدها فى راحة وسرور وفرح بجلوس الصغار حولها وعلى الأرض ينظرون الى وجهها المضيء نضارة وحبا وسكينة ، فعندها لا يمكن أن يمل الصغار أو يغشى النعاس أجفانهم الصغيرة ، فتجدهم يقامون ويقامون حتى لا تفوتهم الحجوية الجميلة وعندما يسمع الصغار (حجيتكم ما بجيتكم) ويكون ردهم(خيرا جانا وجاكم) تجدهم فى أهبة الإستعداد لسماع ماهو آت من أحاجى الحبوبة .
وعند أهل الريف عندما يهل الهلال الجديد تجدهم ينتظرون بصبر شديد (قمر أربعتشار) أو تلك الليالى المقمرة فهى تنشر الضياء فى أرجاء الكون الفسيح بعد ليالى حالكات فى الظلام وظلام نعرف فى بلاد تعز فيها الكهرباء عن المدينة ناهيك عن الريف ، وهى فسحة أمل ليستجموا ليلا من رهق وعناء العمل فى بلداتهم نهارا ، يتسامرون فى منتدياتهم وضرياتهم ولا تكاد أذانهم تتوقف عن سماع أصوات الأطفال وهم يلعبون على ضوء القمر ، ويالها من ألعاب شعبية خلدتها ذاكرة الكبار متنقلة من جيل الى جيل ، فهناك تسمع أصوات من يلعب اللعبة الشعبية الأكثر رواجا وهى (شليل) وشليل وين راح أكلو التمساح ، وتجد آخرين وهم الصبية الأكثر قوة فيلعبون لعبتهم المفضلة التى يطلقون عليها (حاره) وهى لعبة يتنافس فيها فريقين ومع أحدهما مايسمونه ب(العريس) يعملون على حمايته حتى الوصول به الى( الميس) أو خط النهاية وهى تعتمد من سرعة الحركة وقوة البدن ، وهناك لعبة شعبية للبنات وتسمى (حدادى) يجلسن فى خط مستقيم على الأرض ممدة الأرجل على الأرض للأمام وتجلس إحداهن أمامهن وتبدأ فى أنشودة تسمى ب(حددى ممددى) والتى تنتهى عندها الأنشودة تخرج من اللعبة الى تفوز أحداهن باللعبة.
وهكذا يمضى الجميع ليلا ممتعا وجميلا مع ضوء القمر الذى غاب عنهم لأيام وعاد ليفرحوا به وكأنهم يرونه أول مرة، ويتفرق الصغار من أمكان لعبهم الى منازلهم والنعاس يغالب أعينهم وتجد منهم يبكى على فقد حذاءه أو أن أحدا منهم قام بإخفاه عنه وعندها يتفرقون مجموعات وأفراد بحثا عن الحذاء المفقود وينال شهرة أكثر من صاحبه ، ولجمال تلك الليالى المقمرة فإن أغلب هؤلاء الأطفال والصبية يغادرون منازلهم بعد الغروب قبل تناول العشاء ، لذا تجدهم متحمسين للعودة وهم فى شوق لما أعدته له أمهاتهم من طعام يعيد إليهم قوتهم ونشاطهم الذى أفرقوه فى لعباتهم المحببة ، صحيح قد تجد من يتسائل هل لاتزال هناك فسحة للاطفال ليلعبوا ليلا فى ريفنا الحبيب ؟ ونقول أن حرب الخامس عشر من أبريل حرمت الصغار من اللعب فى الليالي المقمرة ولكنها بالتأكيد لم تحرمهم من التمتع بضياء القمر ليلا فى المناطق الآمنة ، ففى مثل هذا الأيام حتى أهل المدينة إن إنقطعت عنهم الكهرباء فالبديل ضياء القمر وهى نعمة ربانية تضى ليالينا وتجمل الأمسيات.