رؤية جديدة السودان

✍ عمار العركي : محي الدين والإعيسر أطرقوا الحديد على سخونته ؛ قراءة في رسائل الزيارة وأبعادها الإقليمية

-

• الزيارة التاريخية التي قادها رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس إلى إريتريا، على رأس وفد رفيع ضم وزير الخارجية والتعاون الدولي السفير محيي الدين سالم، ووزير الثقافة والإعلام والسياحة الأستاذ خالد الإعيسر، تمثل محطة فارقة في مسار العلاقات السودانية الإريترية.

• هذه الزيارة ليست مجرد خطوة دبلوماسية تقليدية، بل هي تصحيح لمسار طويل من سوء الفهم والجمود الذي ظل يحكم العلاقة بين البلدين لعقود، منذ عهد الإنقاذ وحتى ما قبل الزيارة الأخيرة، حيث كانت العلاقة تُدار بعقلية الشكوك والظنون، وتغذّيها الوقيعة بين الدولتين، إلى جانب تضارب الرؤى وتنازع الصلاحيات بين الجهات المعنية بالملف.

• اليوم، يمكن القول إن الخرطوم استوعبت الدرس وعادت إلى جادة الطريق والمسار الاستراتيجي الصحيح الذي يفضي إلى تحقيق الاستقرار الداخلي من جهة، ويعيد للسودان موقعه الطبيعي في معادلة الأمن والسلام الإقليميين، وضمن منظومة أمن البحر الأحمر من جهة أخرى.

وأن تأتي الخرطوم متأخرة... خير من ألا تأتي.

• اللافت في هذه الزيارة أن قيادتها جاءت مدنية خالصة برئاسة رئيس الوزراء الانتقالي، وبتكامل دبلوماسي–إعلامي نادر الحدوث في الممارسة السياسية السودانية الحديثة.

• هذه الصيغة في حد ذاتها رسالة سياسية عميقة، مفادها أن السودان يخطو بثقة نحو دبلوماسية مدنية جديدة، قوامها الانفتاح الإقليمي المدروس، وتكامل الأدوار بين المؤسسات التنفيذية والسياسية والإعلامية، بعيداً عن التجاذبات التقليدية التي أضرت بسمعة السودان ومصالحه لعقود.

• ولا شك أن وزارة الخارجية وسفارة السودان في أسمرا، ومعهما وزارة الإعلام والثقافة والسياحة، لعبتا الدور الأكبر في تهيئة المناخ لهذه الزيارة، وفي إعادة بناء الثقة المتبادلة التي جعلت من أسمرا أولى العواصم الإفريقية التي يطرق رئيس الوزراء أبوابها في أولى جولاته الخارجية نحو الفضاء الإفريقي.

• ورغم الدلالات السياسية الكبيرة التي حملتها الزيارة، إلا أن بعض الأصوات حاولت التقليل من شأنها، وهاجمت المشاهد الإنسانية التي ظهر فيها رئيس الوزراء وهو يصافح الجماهير الإريترية في شوارع أسمرا، أو يهتف باسم الرئيس أسياس أفورقي، الذي أطلقت عليه إفريقيا لقب "فارس القارة".

• تلك القراءات السطحية أغفلت أن المشهد الرمزي هو جزء من الدبلوماسية الناعمة، وأن هتاف إدريس لأفورقي لم يكن خروجًا عن البروتوكول، بل امتدادًا لوفاء متبادل.

• فالرئيس أفورقي هو الزعيم الإفريقي الوحيد الذي هتف علنًا للشعب السوداني وجيشه في أكثر من مناسبة، مؤكدًا في خطبه الرسمية ومقابلاته الإعلامية أن "الشعب السوداني له أفضال وجمائل على الشعب الإريتري لن ننساها أو نخونها، وما نقوم به اليوم ما هو إلا القليل في مقابل ذلك."

• ومن هنا، فإن مشهد التحية والهتاف بين إدريس وأفورقي ليس خرقًا للبروتوكول، بل استعادة رمزية للود المتجذر بين الشعبين والقيادتين.

*_الى الوزراء : محــي الديــن والإعــيسر_ ...*

• لقد جاءت نتائج الزيارة لتؤكد عمقها وجدواها، حيث تم الاتفاق على تفعيل اللجان الثنائية، وإنشاء لجنة اقتصادية جديدة تُعنى بتنفيذ المشاريع المشتركة، تشمل مصائد بحرية كبرى في البحر الأحمر، ومصافٍ للذهب والنفط، ومشروعات استثمارية في قطاع المعادن، إلى جانب تنسيق أمني واستخباراتي يعزز السيطرة على الحدود، ويمنع التسلل والتهريب.

• وفي ضوء هذه المخرجات، فإن الرسالة الأهم اليوم موجهة إلى وزير الخارجية محيي الدين سالم ووزير الإعلام خالد الإعيسر: *الحديد ساخن ... فاطرقوه الآن.* فالوقت مناسب للتحرك السريع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خصوصاً في الجوانب الإعلامية التي تمثل القاعدة والدعامة لكل المخرجات الأخرى — الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.

• وما أحوجنا إلى إطلاق المشروع الوجداني " *شكراً إريتريا* " الذي ظل مطروحاً على طاولة وزير الإعلام، ليكون باكورة التنفيذ العملي لمخرجات الزيارة، ولبنة جديدة في بناء شراكة وجدانية–إعلامية بين الشعبين.

*_خــلاصــة الـقــول ومنتهــاه_*

• إن زيارة أسمرا لم تكن مجرد رحلة دبلوماسية عابرة، بل نقطة تحول في مسار العلاقات السودانية الإريترية، وفرصة لإعادة تموضع السودان في محيطه الإقليمي، كفاعل متزن ومسؤول، يدرك أن السياسة لا تُدار بالنية وحدها، بل بالفعل في التوقيت المناسب.