رؤية جديدة السودان

✍ إسماعيل جبريل تيسو : (تقرير) الجيش والتفاوض ؛ محاولة لإرباك المشهد

-

موجة من الجدل والبلبلة في الساحة السياسية والإعلامية بالسودان، أثارها خبر مفبرك، زعم أن عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، أبلغ عدداً من ممثلي القوى المدنية والسياسية باعتزام الجيش الدخول في عملية تفاوضية جديدة تهدف إلى إحلال السلام، ، وتكمن أهمية الخبر المفبرك، أنه أعقب مباشرةً عودة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من زيارة رسمية إلى القاهرة، ما يشير إلى انتظام حملة ممنهجة تستهدف التشويش على التحركات الدبلوماسية الرسمية وإحداث إرباك في اتجاهات الرأي العام.

إثارة وحملة منسَّقة:

ووفقاً لمتابعين للمشهد السياسي في الراهن السوداني، فإن توقيت الخبر الذي نُشر دون سند رسمي، لم يكن صدفة، بل تزامن مع تصاعد الشائعات التي تروّجها غرف إلكترونية تابعة " للقحاتة"، زعمت التئام لقاء سري بين الرئيس عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء المستقيل دكتور عبد الله حمدوك في القاهرة، ضمن تدابير مزعومة تتصل بمخرجات الآلية الرباعية ومبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بوضع ترتيبات جديدة للسودان عقب اجتماع الرباعية المرتقب في واشنطن خلال أكتوبر الجاري، وتمثل هذه الشائعات جزءً من حملة منسّقة تهدف إلى تصوير المؤسسة العسكرية وكأنها تسعى لإعادة إنتاج الشراكة السابقة، بالعودة إلى المربع الذي سبق إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر2021م، بيد أن الواقع يكذِّب هذه الشائعات ارتكازاً على مضي القيادة العسكرية بخطى ثابتة نحو استعادة مفاصل الدولة، وبسط الأمن، وإنهاء التمرد المسلح الذي تقوده ميليشيا الدعم السريع المسنودة بدولة الإمارات ومحاور أخرى إقليمية ودولية.

نفي وتفاعل واعي:

وكانت المؤسسة العسكرية قد سارعت إلى نفي الخبر المفبرك عبر مصدر مطلع تحدث " للكرامة" نافياً ما يشاع عن إبلاغ عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، لممثلي قوى مدنية باعتزام الجيش الدخول في عملية تفاوضية جديدة تهدف إلى إحلال السلام الشامل، وأكد المصدر أن ما ورد في هذا الصدد عارٍ تماماً من الصحة، مبيناً أن الفريق كباشي لم يبحث مع أي قوى سياسية أو مدنية، أي مبادرة تفاوضية، مشيراً إلى أن ما نُشر لا يستند إلى أي وقائع أو مصادر موثوقة، هذا وقد أحدث نفي الخبر تفاعلاً إيجابياً واسعاً في المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث رحّب قطاع كبير من المواطنين بالموقف الواضح والصارم، واعتبروه دليلاً على التزام المؤسسة العسكرية بمسار الحسم الميداني، وعدم الالتفات إلى المحاولات اليائسة للقوى المتحالفة مع ميليشيا الدعم السريع لإعادة تموضعها في المشهد السياسي عبر بوابة التسويات والمبادرات الخارجية، وقد حصدت إشارة " بل بس" تفاعلات إيجابية واسعة عكست بحسب مراقبين رفضاً مجتمعياً متنامياً لعودة "القحاتة" أو المكونات التي تمثل غطاءً سياسياً لميليشيا آل دقلو، الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التماسك الداخلي، والإرادة الوطنية الصلبة، التي ترفض الوصاية الخارجية، وتلتزم بمسار الالتفاف المستمر حول الجيش وقيادته الوطنية في معركة استعادة أركان الدولة وهيبتها.

خاتمة مهمة:

ومهما يكن من أمر فإن الملابسات التي أحاطت بشائعة الخبر المفبرك قد كشفت بجلاء أن المعركة في السودان لم تعد محصورة في ميادين القتال فقط، بل امتدت إلى ساحة الإعلام والحرب النفسية، حيث تسعى بعض الجهات إلى صناعة الأخبار المفبركة لتقويض الثقة بين القيادة العسكرية والجماهير، غير أن سرعة النفي وتماسك الموقف الرسمي، مقروناً بردة الفعل الشعبية الرافضة لتلك الشائعات، يؤكد أن الوعي والمزاج الجمعي السوداني بات أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والدعاية، وفي ذلك رسالة واضحة للخارج، مفادها: أن الشعب السوداني أصبح أكثر استعداداً للدفاع عن مؤسسات الدولة في مواجهة محاولات الاختراق والتشويه، وعلى القيادة العليا في البلاد، أن تعمل على توظيف هذا الزخم الجماهيري في تعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ودعم المجهود العسكري والوطني حتى الوصول إلى نهاية حاسمة تضع حداً لوجود الميليشيا المتمردة، وتؤسس لسلام حقيقي ينبع من الداخل، ويخلو من العملاء والمندسين، والخونة والمرجفين، والمرتزقة والمارقين.