✍ أحلام محمد الفكي : بيان المواطن الأخير ؛ إبعاد الأحزاب طريق السودان الوحيد للتعافي!

يا أيها الوطنُ المثقَلُ بالجراحِ، ويا أيها المواطنُ الممزوجُ ألمُهُ بالترابِ والنزوحِ! منذ سنوات وسيفُ التناحرِ مسلَّطٌ على خاصرةِ هذا البلدِ العظيمِ. صرخةُ الشارعِ اليومَ ليست مجردَ احتجاجٍ عابرٍ بل هي صيحةُ حياةٍ تُطلَقُ من حنجرةِ شعبٍ أرهقتهُ سنواتٌ من الدوراتِ المفرغةِ يدفعُ فيها فاتورةَ الصراعِ الأبدي على الكرسي والسلطة.
نعم، وألف نعم لقد صدحَ القولُ وارتفعَ الهتافُ
(تعافي الوطن والمواطن في إبعاد كل الأحزاب).
هي ليست دعوةً للفوضى بل هي مرارةُ تجربةٍ طويلةٍ مع نخب سياسيةٍ كانَت ولا تزالُ همُّها الأولُ والأخيرُ هو متاعُ الكرسي وعرشُ السلطة. ألم يكن الشعارُ الخالدُ:
(لا للحرب من أجل السلطة)؟ فما الذي رأيناهُ على أرضِ الواقعِ؟
معاركُ وجدالاتٌ وبغضاءُ لا تنتهي، جميعها تصبُّ في نهرِ الرغبةِ الجامحةِ في التربعِ على عرشٍ متهاوٍ، حتى لو كان الثمنُ دماءَ الأبرياءِ وزوالَ الوطن.
إنَّ التاريخَ شاهدٌ لا يكذبُ فمنذ فجرِ الاستقلالِ، لم تنجحْ التجاربُ الحزبيةُ في صياغةِ عقدٍ اجتماعيٍّ يحققُ الاستقرارَ والرخاءَ. لقد تحولَ التحزُّبُ في واقعنا إلى سُمٍّ بطيءٍ يتغلغلُ في شرايينِ الدولةِ، يفتكُ بالوحدةِ الوطنيةِ ويُبددُ الثرواتِ بينما يتنازلُ المواطنُ قسراً عن حقهِ في الأمنِ والسلامِ، ليصبحَ النهبُ والقتلُ والنزوحُ جزءاً من يومياتهِ المأساويةِ.
تساؤل يلامس جوهر الأزمة:
في ظلِّ هذه الكارثةِ يطرحُ المواطنُ السودانيُّ سؤالاً يدمي القلبَ:
ماذا يمكن أن تقدمَ هذه الأحزابُ من (تنازلاتٍ) لمصلحةِ الوطنِ والمواطنِ؟ هل يمكنُ للذي أدمنَ طعمَ السلطةِ أن يتخلى عنها طوعاً؟
هل تستطيعُ هذه الكياناتُ أن تتجاوزَ مصالحَها الضيقةَ وتاريخَها المثقَلَ بالفشلِ والانقسامِ، لتقدمَ لهذا الوطنِ ترياقاً يشفيهِ من سُمِّ التحزبِ القاتلِ؟
إنَّ الترياقَ المنشودَ لا يكمنُ فقط في إبعادِ الأشخاصِ أو إقصاءِ الكياناتِ، بل في تغييرِ المنهجِ والفكرِ. هو يكمنُ في إعلانِ التوبةِ الوطنيةِ من ثقافةِ الإقصاءِ والتمترسِ خلفَ الشعاراتِ الجوفاءِ.
أيها الساعونَ للوطنِ والمواطنِ حقاً، وأيها الشرفاءُ الذينَ لم تلوثْهم وحولُ السلطةِ: ضمُّوا الصفوفَ ووحدوا العاملين عليها،
لا لتضيئوا سراجَ حزبٍ بل لتُنيروا لهذا الشعبِ آفاقاً من دولةِ المواطنةِ الحقيقيةِ، التي يُصبحُ فيها الانتماءُ للوطنِ فوقَ كلِّ انتماءٍ. فلتكنْ أفعالُكم هي ترياقَ هذا السُمِّ القاتلِ.
فيا أبناءَ السودانِ الأبيِّ، عافيةُ وطنِكم مرهونةٌ بوحدةِ صفِكم وإعلاءِ صوتِ المواطنِ فوقَ ضجيجِ الكراسي.