رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ الوعي الشعبي جزء من الحل

-

الأوطان لاتبنى بالقوة، بل تبنى بالوعي والارادة حيث يمر السودان بمرحلة دقيقة من تاريخه، مرحلة تختبر وعي الشعب وصموده أمام التحديات التي خلفتها الحرب والانقسام. لم يعد الوعي الشعبي مجرد فكرة نظرية أو شعار يُرفع في المنابر، بل أصبح ضرورة وطنية لبقاء الدولة واستعادة عافيتها. فالشعوب التي تمر بالأزمات لا تنجو إلا بوعيها، ولا تبني مستقبلها إلا بإدراكها العميق لمعنى الوطن ومسؤولية الحفاظ عليه.

لقد أظهرت التجارب الأخيرة أن الشعب السوداني يمتلك من الحكمة والإدراك ما يؤهله لقراءة الواقع بوعي، لكنه في حاجة إلى مزيد من التنظيم والتوجيه نحو بناء وعي جماعي متماسك. فالمطلوب اليوم ليس وعيًا عاطفيًا مؤقتًا، بل وعيًا عقلانيًا يميز بين الصالح والطالح، ويدرك أن الوطن أكبر من كل الأحزاب والانتماءات الضيقة.

الوعي الشعبي في هذه المرحلة يعني أن يدرك المواطن أن استقرار السودان لا يُبنى بالشعارات، بل بالعمل والصدق والإخلاص. وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الذات، من رفض الفساد، ومحاربة الجهوية، ونبذ الكراهية، والسعي لبناء دولة العدالة والمواطنة.

كما يجب أن يتحول هذا الوعي إلى قوة فاعلة، تُسهم في رأب الصدع الاجتماعي، وتُعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فكل فرد سوداني اليوم مسؤول عن نشر الوعي في مجتمعه، وعن حماية ما تبقى من الوطن من الانزلاق في دوامة الفوضى والدمار.

إن الوعي الشعبي هو الأمل الأخير لبناء السودان الجديد، السودان الذي يحلم به الجميع. وبدون وعيٍ حقيقي ومسؤول، ستظل كل الجهود بلا ثمرة. لذا، على الشعب أن يجعل من هذه المرحلة مدرسةً للتجربة والتصحيح، وأن يؤمن بأن وعيه هو الدرع الذي سيحمي الوطن، والمفتاح الذي سيفتح أبواب المستقبل.الهمسة الوطنية تلعب دورًا عميقًا ومؤثرًا في بناء الوعي الشعبي، فهي ليست مجرد كلمات تُقال في الخفاء، بل هي نبضة إحساس نابع من قلب الوطن إلى أبناءه، تُوقظ فيهم روح الانتماء والمسؤولية.

(همستناالوطنية) تُخاطب الضمير قبل العقل، وتزرع في النفوس قيم التضحية والوفاء، وتدعو إلى الاتحاد ونبذ الفرقة، وتذكّر الناس بأن الوطن لا يُبنى بالصوت العالي فقط، بل أحيانًا تُحدث الهمسة الهادئة ما لا تصنعه الخُطب الصاخبة.

وفي فترات الأزمات مثلما يعيش السودان اليوم، تكون (الهمسة الوطنية) أداة فعالة لإعادة اللحمة الاجتماعية، وإحياء الأمل في القلوب، وبث روح التفاؤل والثقة في المستقبل. فهي تُعيد تعريف المواطنة، وتُوجّه الوعي الشعبي نحو الفعل الإيجابي، لا نحو الشكوى والانهزام.

إنها تزرع في كل فرد شعورًا بأنه جزء من الحل، لا من المشكلة. وبذلك، تتحول (الهمسة الوطنية) إلى قوة ناعمة تُعيد صياغة الفكر الجمعي للأمة، وتُمهّد لطريق النهوض الحقيقي. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل