رؤية جديدة السودان

✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ لغة المجاملة تضيّع الوطن

-

اتعجب من الذين (يتحدثون) بلغة ( المجاملة) في هذا الوقت الحرج من تاريخ السودان لايدري ان هذا الأسلوب يصب في خانه (التخازل والخيانه) وقد يضيع كل ماتم تنفيذه في حرب الكرامة وكل( مجاهدات الشهداء) عندما تتحول (المجاملة) إلى عادة، (يختنق الصدق) و(يموت الواجب الوطني) . كثير من الأوطان لم تسقط بالحروب فقط، بل سقطت (بالمجاملات) التي (غطّت على الأخطاء) ، (وبالسكوت عن الفشل) خوفًا من (إغضاب أصحاب النفوذ) .( المجاملة تقتل الكفاءة) ، (وتفتح الأبواب أمام الفساد) ، (وتغلقها في وجه الشرفاء) الذين يقولون الحقيقة كما هي.

الوطن( لا يُبنى بالمجاملات) ، بل (بالمصارحة والمحاسبة) . إن أردنا سودانًا جديدًا، فعلينا أن نتحدث بجرأة، ونقول للمخطئ إنه مخطئ، وللصادق إنه صادق، مهما كانت الأسماء والمواقع. فالوطن لا يحتاج كلمات منمقة، بل يحتاج مواقف صادقة.

في( زمن الأزمات) ، يصبح( الصدق أثمن من الذهب) ، (وتغدو المجاملة سُمًّا يتسرب في جسد الوطن) حتى ينهكه. المجاملة حين تتغلغل في مؤسسات الدولة، وفي علاقاتنا الاجتماعية والسياسية، (تقتل روح الإصلاح) (وتغطي على الأخطاء) . فهي (تُسكِت صوت الحق) ، وتمنح( الفرصة للضعفاء والمنتفعين) كي يعتلوا المنابر ويتحكموا في مصير البلاد.

كم من (مسؤول فشل) ، لكن مجاملة المقربين جعلته يظن نفسه ناجحًا! وكم من مشروع انهار لأن أحدهم لم يجرؤ على قول الحقيقة خوفًا من “الزعل” أو “الحرج”! هكذا (تضيع الأوطان) (لا برصاص العدو) ، (بل بصمت الأصدقاء)

لغة المجاملة لا تبني، بل تهدم. فهي( تُبعد الكفاءات) (وتقرّب المنافقين) ، (وتحوّل الوطنية إلى شعارات خاوية) الوطن لا يحتاج من يقول “كل شيء تمام”، بل من يقول “هنا الخلل” و“هنا الطريق الصحيح”.

إن الوطن الذي نريده (لا يحتمل التزييف) و(لا التصفيق الأعمى) .( نريده وطنًا يُكافئ الصراحة))(ويُعاقب التزلف) ، (وطنًا يسمع صوت من يحب الحقيقة) لا من (يجيد التملق) . السودان اليوم أحوج ما يكون إلى رجال ونساء يضعون الحقيقة فوق المجاملة، والمصلحة العامة فوق العلاقات الشخصية.

لن ينهض السودان إلا حين( نتحرر من ثقافة المجاملة) ، ونتبنى( ثقافة النقد البنّاء) ، ونجعل قول( الحق شرفًا) لا جريمة. لأن( المجاملة في غير موضعها) ليست خُلقًا حميدًا، بل خيانة صامتة للوطن.

إن أخطر ما يواجه الأوطان ليس صوت الأعداء، بل صمت المحبين ومجاملات المقربين. فالمجاملة تُغشي الأبصار عن الحق، و(تُطفئ نور الإصلاح) ، و(تفتح أبواب الانهيار) . علينا أن نختار إما أن نرضي الناس بالكلام الناعم ونخسر الوطن، أو نرضي ضمائرنا بالصدق وننقذه من الضياع. فلنقل الحقيقة مهما كانت مُرة، لأن الوطن الذي تُسكِته المجاملات… هو وطن يموت بصمت وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل.