✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ رغم الألم بقينا بشرا

ماشاهدته في معسكر ايواء نازحي اهلنا من الفاشر بارض الشمال وتحديدا بمنطقة الدبه مشاهد( ستظل في الذاكره) وفي تاريخ السودان ان ماحدث في هذه الحرب من افعال لم تراعي ابدا ( إنسانية المقهورين) علي ارض يبنض قلب( انسانها بالقران الكريم) وتوحيد رب العباد عندما( نبكي على الإنسانية) ، فليس ضعفًا فينا، بل لأن القلب لم يعد يحتمل (حجم القسوة) التي تملأ هذا العالم. نبكي حين نرى( الطفل يتيماً) و(الوطن خراباً) ، حين (تُغتال القيم في وضح النهار)( ويُكافأ المجرم بصمتنا.)
نبكي لأننا ما عدنا نسمع (صوت الضمير في ضجيج المصالح) ، ولا( نرى النور في عيون البشر) كما كنا من قبل. أصبح الإنسان( غريبًا في وطنه) ، وأصبحت( الرحمة ترفاً) ، و(الحق وجهة نظر) .
لكن( دموعنا ليست نهاية الحكاية) ، فهي( بداية الوعي، وبذرة الأمل) في أن تعود الإنسانية يومًا إلى عرشها المفقود. ما دام فينا قلب يخفق للحق، وما دامت دمعة تذرف لأجل الآخر، فالعالم لم يمت بعد.
الفاشر، تلك المدينة العريقة التي كانت يوماً (منارة للتاريخ) وملتقى للثقافات، تحوّلت اليوم إلى ساحةٍ يختنق فيها الأمل. مأساة الفاشر ليست مجرد خبرٍ عابرٍ في نشرات العالم، بل هي (شهادة دامية) على( سقوط الضمير الإنساني) أمام (صمتٍ دوليٍّ مريب)
في (شوارعها المهدمة) ، تصرخ الأمهات ألماً، ويبحث الأطفال عن (فتات خبزٍ أو جرعة ماءٍ بين الركام) .( تتناثر الجثث في الطرقات) ، (وتتهاوى القيم كما تتهاوى جدران البيوت القديمة) . لم تعد الفاشر مجرد( مدينة منكوبة) ، بل( رمزٌ لخذلان العالم) ، و(لعجزه عن حماية الإنسان من أخيه الإنسان) .
تسكن الحكاية تفاصيل موجعة أحياء محاصرة، مشافي بلا دواء، أرواح تُزهق تحت قصفٍ لا يعرف رحمة، ومآذن تصمت بعدما كانت تصدح بالسلام. كل ذلك يحدث والعالم يكتفي بالمشاهدة، كأن دماء السودان أقل قيمة في ميزان الإنسانية.
ومع ذلك، يبقى هناك في قلب الفاشر نبضٌ صغيرٌ للمقاومة، صوتٌ خافتٌ لكنه صادق، يقول: ("ما زلنا هنا) ، (وما زال فينا من يؤمن أن الفجر سيأتي) ، مهما طال ليل
مأساة الفاشر ليست (نهاية الحكاية) ، بل اختبارٌ (قاسٍ لضمير هذا العالم) فإذا مرت دماء الأبرياء دون أن تهتزّ لها القلوب، فليس الفاشر وحدها من تنزف، بل الإنسانية كلها. سيأتي يومٌ تكتب فيه الفاشر (بدموعها تاريخاً جديداً) ، وتقول للعالم: "هُزمتم أنتم، (لأننا رغم الألم... بقينا بشرًا) ولكن يبقى سودان مابعد الحرب اقوي واجمل

