✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ نحن في عالم يفتقد الخصوصية

كيف نحمي انفسنا في ظل عالم مشكوف يشاركنا كل تفاصيل حياتنا اليوميه بل اصبح يشاركنا في تربية الاسرة وضعنا في( زمن المسكوت عنه كثيرا)
في زمنٍ تتداخل التقنيه الحديثة في كل صغيره وكبيره ، أصبح العالم أكثر انفتاحاً مما ينبغي، وأكثر تدخلاً مما نحتمل. لم( تعد الخصوصية درعاً يحمي الإنسان) ولا جداراً يصون أسراره؛ تحولت إلى مساحة هشة تتعرض للاهتزاز مع كل نقرة وكل تسجيل وكل مشاركة عابرة. نحن اليوم نعيش في عالمٍ تتراجع فيه الحدود بين العام والخاص، وتُختطف فيه لحظاتنا الشخصية من دون إذن، لنجد أنفسنا مكشوفين في فضاءٍ لا يرحم، تحكمه البيانات والخوارزميات لا القيم والمشاعر.
لم تعُد الخصوصية ذلك الساتر المتين الذي يحمي الإنسان، بل أصبحت خيطاً رفيعاً يمكن أن ينقطع في أي لحظة. في زمن الهواتف الذكية، والكاميرات المخبأة في كل زاوية، وتطبيقات تعرف عنّا أكثر مما نعرف عن أنفسنا، صار الإنسان مكشوفاً بلا درع.
نعيش اليوم في عالمٍ تُباع فيه البيانات كما تُباع السلع، وتصبح فيه أفكارنا واتجاهاتنا وسلوكياتنا مادة للتحليل والتوجيه. حتى لحظاتنا الخاصة، تلك التي كانت في الماضي محمية بجدران البيوت ودفء المجالس، أصبحت الآن قابلة للاختراق بضغطة زر.
في السودان، ومع تمدد التكنولوجيا بسرعة تفوق بنيتنا الاجتماعية والثقافية، أصبح التحدي أكبر. فبين مجتمعٍ يحترم الخصوصية بطبعه، وواقعٍ رقمي لا يعترف بالحدود، أصبح المواطن السوداني واقفاً بين عالمين:
عالم القيم… وعالم الخوارزميات.
لقد تغيّر كل شيء:
أحاديثنا… صورنا… مواقعنا… حتى ميولنا أصبحت معلومة في سجلات شركات لا نعرفها. وما بين حروب البيانات، وشبكات التواصل، وغياب القوانين الصارمة، يجد الإنسان نفسه مكشوفاً أمام العالم دون أن يدري.
ومع ذلك،( تبقى الخصوصية حقاً يجب الدفاع عنه) فلا حرية بلا خصوصية) ، ولا كرامة بلا مساحة آمنة يحتمي فيها الإنسان من الضوضاء والرقابة والتجسس.
إن حماية الخصوصية اليوم ليست رفاهية، بل معركة وعي. وعيٌ بأن الإنسان يستحق أن يعيش جزءاً من حياته بعيداً عن أعين الآخرين، مهما كان العالم مفتوحاً ومترابطاً.
فمن يفقد خصوصيته… يفقد شيئاً من ذاته.
وفي وسط هذا الضجيج، تظل الحكمة:
احمِ نفسك… قبل أن يصبح كل ما حولك مكشوفاً بلا رجعة.

