رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ أحلام محمد الفكي : المؤسسات ؛ سوق للمصالح أم ميدان للكفاءات؟

هل أصبحت مؤسساتنا الوطنية سوقاً للمصالح الشخصية، ومنصّة للمنتفعين؟

سؤال يتردد صداه في أروقة العمل، ويترنّح على ألسنة الغيورين على مستقبل بلدانهم. فبينما يكدح المخلصون في الميدان، ويصنعون الإنجازات في صمت، يطل علينا من خلف الكواليس بعض أصحاب الأقلام المأجورة، ليسلطوا الأضواء على شخصيات أتت من خارج السرب، لا تعرف عناء العمل ولا مرارة التحديات. إنها معركة غير متكافئة، صراع بين من "بنى" بسواعده وعرقه، ومن "جاء" على طبق من ذهب بفضل المحسوبية والواسطة.

الواسطة والمحسوبية: الداء الذي يفتك بالخدمة المدنية

لم تتعطل عجلة التنمية، ولم تتدهور أحوال المؤسسات الحكومية، إلا عندما تفشت هذه الظاهرة السلبية كالوباء: الواسطة والمحسوبية. هذه الآفة التي أفرغت المناصب من محتواها، وجعلت الولاء الشخصي والقرابة طريقًا وحيدًا للتقدم، بدلًا من الاعتماد على الخبرة والكفاءة والجدارة. لقد أصبح التوظيف سباقًا لمن يعرف من، لا سباقًا لمن يملك من المهارات.

هذا الواقع المرير لم يؤدِ فقط إلى تدهور الأداء العام، بل فتح الباب على مصراعيه للفساد، وحرم الكفاءات الحقيقية من فرصها، مما أدى إلى هجرتها وبقاء من لا يستحقون.

تصوّروا حجم الخسارة: كفاءات وطنية مؤهلة، تمتلك المعرفة والخبرة والكاريزما، تجد الأبواب موصدة أمامها، بينما تتصدر الواجهة شخصيات لا تمتلك سوى علاقاتها. هذه الظاهرة لا تقتل فقط روح العمل الجماعي،

بل تدمّر ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتجعلهم يفقدون الأمل في الحصول على خدمات عادلة ومحايدة. إنها بداية انهيار الثقة التي تعتبر حجر الزاوية في بناء أي مجتمع.

إننا اليوم أمام تحدٍ عظيم، يتطلب إرادة قوية، وشجاعة في مواجهة المستفيدين من هذا الوضع. فالتغيير ليس سهلًا، ومقاومة الإصلاح تأتي من كل من يخشى فقدان امتيازاته. لكن السبيل الوحيد للنهوض واضح وضوح الشمس: الشفافية والعدالة.

لابد أن نعود إلى تطبيق معايير واضحة وصارمة في عمليات التوظيف والترقية. يجب أن تكون الكفاءة والخبرة والكاريزما هي المعايير الوحيدة للتعيين، خاصةً في المناصب القيادية، التي تتطلب فهمًا عميقًا لطبيعة العمل من الداخل. فمن عمل في الميدان، ليس كمن جاء من خارجه.

كما يجب تعزيز الرقابة على عمليات التوظيف والترقية، وإلغاء كل أشكال المحسوبية، وتدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها لتتحمل المسؤوليات الكبرى. إنها مسؤولية جماعية، تبدأ من الأفراد الواعين، وصولًا إلى المؤسسات التي يجب أن تتخلى عن سياسات الماضي وتتجه نحو المستقبل.

من خلال العمل المشترك، وتطبيق معايير عادلة وشفافة، يمكننا أن نعيد لمؤسساتنا هيبتها، ونستعيد ثقة الشعب، ونضع القطار على سكته الصحيحة نحو الإصلاح الشامل. فهل نحن مستعدون لهذه المعركة.