✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ رفع الوعي الأمني للمواطن السوداني

الوعي الأمني في الخرطوم لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة ملحّة في ظل التحديات التي فرضتها الحرب وما تبعها من اضطرابات أمنية واجتماعية. فالعاصمة تمثل القلب النابض للبلاد، وأي اختراق أمني فيها ينعكس على استقرار الوطن بأكمله. إن بناء ثقافة أمنية راسخة لدى المواطن والمؤسسات، يقوم على إدراك المخاطر المحيطة، واليقظة في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار، والتعاون مع الأجهزة المختصة، يشكل خط الدفاع الأول عن الخرطوم. ومن هنا فإن نشر الوعي الأمني يعزز مناعة المجتمع، ويُمهِّد الطريق لعودة الحياة الطبيعية وإعادة الإعمار، بما يضمن أن تبقى العاصمة حصناً آمناً لكل أبنائها.
في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها السودان بعد الحرب، يبرز الأمن كأحد أهم التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع على حد سواء. غير أن الأمن لا يتحقق فقط عبر الأجهزة النظامية، بل يحتاج إلى وعي المواطن الذي يمثل خط الدفاع الأول وصمام الأمان الحقيقي. رفع الوعي الأمني ليس ترفاً، بل ضرورة لبناء مجتمع متماسك قادر على حماية نفسه وحفظ استقراره.
المواطن السوداني يملك دوراً محورياً في العملية الأمنية، فوعيه بما يجري حوله وملاحظته للتفاصيل قد يكون سبباً في منع جريمة أو إفشال مخطط. ولذا، فإن غرس ثقافة أن "الأمن مسؤولية جماعية" أمر أساسي. لا يكفي أن نطالب الشرطة وحدها بتحمل العبء، بل يجب أن يشارك الجميع في الحي، القرية، المدرسة، والعمل.
رفع الوعي الأمني يبدأ من التثقيف المباشر عبر الإعلام الوطني ووسائل التواصل، مروراً ببرامج تدريبية في المدارس والجامعات، وصولاً إلى إنشاء لجان مجتمعية في الأحياء. كذلك، يمكن توظيف المنابر الدينية والثقافية لتعزيز ثقافة الانتباه والحذر، مع الحرص على أن تكون الرسائل مبسطة وقريبة من وجدان المواطن السوداني.
في عالم اليوم، لا يمكن إغفال دور التكنولوجيا في التوعية الأمنية. فالتطبيقات البسيطة، والرسائل النصية، والمقاطع التوعوية القصيرة يمكن أن تسهم في نشر المعلومات بسرعة وفعالية.
الوعي الأمني لا يعني العيش في خوف دائم، بل العيش في يقظة ومسؤولية. مواطن يعرف كيف يتصرف عند الخطر، وكيف يبلغ عن الأنشطة المشبوهة، وكيف يحمي نفسه ومجتمعه. بذلك فقط نستطيع أن نؤسس لمجتمع سوداني أكثر أمناً واستقراراً، يكون فيه المواطن شريكاً أساسياً في صناعة السلام والأمان.
إنّ الوعي الأمني في الخرطوم لم يعد خياراً ثانوياً بل ضرورة حتمية تفرضها طبيعة المرحلة وما خلفته الحرب من تحديات في النسيج الاجتماعي والبنية التحتية. فالأمن يبدأ من المواطن الواعي الذي يدرك مسؤوليته في حماية نفسه ومجتمعه، قبل أن يكون مسؤولية الأجهزة النظامية وحدها. لذلك فإن ترسيخ ثقافة الوعي الأمني وتعزيزها عبر الإعلام، المؤسسات التعليمية، والمبادرات المجتمعية يشكّل حجر الزاوية في بناء عاصمة آمنة ومستقرة. الخرطوم لن تستعيد عافيتها إلا إذا تكاتف الجميع، حكومة وشعباً، على جعل الأمن قيمة يومية وسلوكاً راسخاً، يمهّد الطريق نحو إعادة الإعمار وبناء مستقبل يسوده السلام والاستقرار وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل