✍ أحلام محمد الفكي : هدنة الفاشر ؛ هل هي إنقاذ أم إعادة تموضع ؟

دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في مدينة الفاشر وتجاوب رئيس مجلس السيادة معها، يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه الهدنات في زمن الحروب فهل هي بالفعل شريان حياة للمتضررين أم أنها مجرد تكتيك عسكري بصبغة إنسانية؟؟؟
من الوهلة الأولى، تبدو الهدنة الإنسانية وكأنها بادرة أمل تهدف إلى تخفيف المعاناة عن آلاف المحاصرين والمتضررين من ويلات الحرب. وصول المساعدات الإغاثية من غذاء ودواء ومأوى هو حجر الزاوية في أي جهد إنساني، وهو ما تسعى إليه الأمم المتحدة في الفاشر، تأكيدًا لدورها في حماية المدنيين وتقديم يد العون للمحتاجين. هذا الجانب لا يمكن التقليل من أهميته، خاصة في ظل الظروف الكارثية التي تعيشها مناطق النزاع.
ومع ذلك، فإن قراءة متأنية للسياق التاريخي والسياسي للهدنات في الحروب تكشف عن طبقات أعمق قد لا تكون واضحة للعيان. ففي كثير من الأحيان، تتشابك الأهداف الإنسانية مع الأهداف الاستراتيجية لكل طرف من أطراف الحرب والصراعات .
لا شك أن الدافع الإنساني هو المحرك الأساسي للدعوات الأممية لوقف إطلاق النار المؤقت. الملايين حول العالم يعيشون تحت وطأة الحصار والجوع والمرض، ووصول المساعدات إليهم هو ضرورة حتمية لا تحتمل التأجيل. في حالة الفاشر، حيث يعاني الآلاف من المواطنين المحاصرين، فإن الهدنة تبدو وكأنها المنفذ الوحيد لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة. فالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن تؤكد على هذه الأولوية وتشدد على ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات.
الجانب التكتيكي: هل تدعم طرفًا على حساب آخر؟
وهذا هو مربط الفرس!
هنا تكمن الإشكالية الكبرى في تحليل الهدنات الإنسانية. ففي ظل تعقيدات الصراعات المسلحة، قد تستغل الأطراف المتحاربة هذه الهدنات لتحقيق مكاسب استراتيجية غير مباشرة. فمثلاً، قد يستغل طرف الهدنة لإعادة تنظيم صفوفه، أو تعزيز مواقعه، أو حتى استجلاب إمدادات جديدة من السلاح والذخيرة تحت غطاء وصول المساعدات الإنسانية. كما قد تستخدم الهدنة لتبادل الأسرى أو التفاوض على شروط معينة تصب في صالح أحد الأطراف.
في حالة الفاشر، ورغم أن الأمين العام للأمم المتحدة دعا إلى الهدنة "دعماً لجهود الأمم المتحدة وتسهيل وصول الإغاثة"، فإن أي طرف سياسي أو عسكري في النزاع قد ينظر إلى هذه الهدنة من منظور مكاسبه المحتملة.
هل وافق رئيس مجلس السيادة على الهدنة فقط لدعم جهود الإغاثة، أم أن هناك أبعادًا أخرى تتعلق بتطبيق قرارات مجلس الأمن التي قد يكون لها تداعيات على موازين القوى؟
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الهدنات الإنسانية هي سلاح ذو حدين. فمن جهة، هي ضرورة إنسانية ملحة لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة. ومن جهة أخرى، هي أداة يمكن أن تستغلها الأطراف المتصارعة لتحقيق أهدافها الخاصة، مما يعقد من الصورة الإنسانية البحتة لها.
يبقى التحدي الأكبر في ضمان أن تكون هذه الهدنات فعلاً لخدمة الإنسان، وأن لا تتحول إلى مجرد فواصل زمنية في صراع أوسع. تطبيق القرارات الدولية بصرامة وشفافية، ومراقبة الالتزام بشروط الهدنة، هي أمور حاسمة لضمان تحقيق الهدف الإنساني المنشود. فهل ستكون هدنة الفاشر بداية لتحقيق السلام، أم مجرد استراحة محارب تُعد فيها المليشيا للضربة القادمة؟
هذا ما ستكشفه الأيام القادمة