✍ عمار العركي : عودة بلعيش إلى السودان ؛ تدويرٌ للنفايات السياسية وفشلٌ في إدارة العلاقات الإفريقية

بين تواطؤ سابق وتمكين جديد... هل يعود المبعوث ليواصل ما انقطع؟
* في خطوة مثيرة للجدل، وغير متوقعة، علي ضؤ الانفتاح نحو السودان والمواقف الايجابية التي أبداها رئيس المفوضية المنتخب مؤخرا . أعلن الاتحاد الإفريقي في 25 يوليو 2025، إعادة تعيين السفير المغربي محمد بلعيش مبعوثًا خاصًا لرئيس المفوضية الإفريقية إلى السودان، وهو المنصب ذاته الذي شغله خلال الفترة الانتقالية عقب الثورة السودانية، قبل أن يغادر المشهد إثر انهيار المسار السياسي الذي كان طرفًا فاعلًا فيه.
* يأتي القرار الجديد في لحظة حرجة تمر بها البلاد، وسط اضطرابات سياسية داخلية، وفراغ دبلوماسي واضح في إدارة علاقات السودان الخارجية، خاصة مع الاتحاد الإفريقي.
*من هو محمد بلعيش؟*
* بلعيش دبلوماسي مغربي عمل سابقًا سفيرًا لبلاده لدى عدة دول إفريقية، من بينه "ليبيا"، وقد لعب دوراً مهماً في اتفاق "الصخيرات" ، الذي اتي بخليفة حفتر ومكنه من الشرق الليبي ، وجئ بها لاعادة انتاج نسخة طبق الاصل من الاتفاق تحت مُسمي ( الإتفاق الإطارى).
* في أبريل 2019 تم تعيينه مبعوثًا خاصًا لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى السودان، خلفًا للمبعوث الجزائري "إسماعيل شرقي"، كما أن تعيينه في الاتحاد الافريقي بالاساس كان ضمن مصفوفة حوافز تسوية عودة المغرب الي الاتحاد الافريقي بعد سنين المقاطعة بسب ملف الصحراء الغربية " البلساريو" والخلاف مع الجزائر.
* وقد تولى بلعيش مهامه رسميًا عقب عزل الرئيس المشير عمر البشير، ليكون جزءًا من وفد الاتحاد الإفريقي المشارك في متابعة تطورات الفترة الانتقالية، ودعم المسار السياسي السوداني، كما قيل حينها.
* لكن أداءه طيلة فترة عمله في السودان – حتى عام 2022 – أثار جدلًا واسعًا، لا سيما لارتباط اسمه بمواقف منحازة، ودور فاعل في تمهيد الطريق أمام "الاتفاق الإطاري"، بتنسيق كامل مع "الآلية الثلاثية" (الأمم المتحدة – الاتحاد الإفريقي – الإيقاد)، والتي اتُّهمت بأنها عملت على تمكين تحالف "قحت" المدعوم إماراتيًا، على حساب أطراف وطنية كانت مستبعدة أو مُهمَّشة.
*إعادة التعيين... تدوير أزمة لا تجديد حل*
* قرار إعادة تعيين بلعيش لا يحمل في جوهره أي بُعد مهني أو استراتيجي جديد. بل يُقرأ باعتباره إعادة تدوير لدورٍ سابق فشل في إدارة الوساطة، وانتهى إلى تفجير المسار السياسي بدلًا من دعمه. لكن ما هو أخطر من قرار الاتحاد الإفريقي نفسه، هو سؤال: لماذا غابت الخرطوم عن المشهد؟
* ففي الوقت الذي كانت فيه العاصمة تعيش على وقع تحولات خطيرة في الملف السياسي والعلاقات الخارجية، لم يكن هناك وزير خارجية مُباشر أو مكلف أو حتى جهاز دبلوماسي فاعل، لمواجهة هذا القرار أو التأثير عليه، أو حتى التحاور مع رئيس المفوضية الجديد الذي أبدى – وفق مصادر عديدة – انفتاحًا واضحًا تجاه السودان.
*لقد فشلت الدولة في:*
*ترجمة المواقف الرسمية إلى تحركات، التواصل مع المفوضية الجديدة التي خلفت موسى فكي، تقديم بدائل أو حتى الاعتراض على عودة مبعوثٍ سبق له أن أربك المشهد الوطني.
* وهكذا، فُتح الباب واسعًا أمام أجندات الرباعية، وبعثة فولكر، والمصالح الإماراتية، لإعادة تعويم بلعيش بوصفه الواجهة "الإفريقية" لتمرير خطط التدخل الجديدة.
*التخبط السوداني... وغياب الصوت الرسمي*
* تؤكد هذه العودة المؤسفة أن الخرطوم لم تعد تمتلك آليات التأثير في محيطها الإقليمي، لا سيما داخل الاتحاد الإفريقي، الذي يفترض أن يكون أحد أهم الحواضن الداعمة للسودان في ظل الحرب.
*ويعكس القرار بوضوح درجة العشوائية التي تُدار بها علاقات السودان الخارجية، دون رؤية أو احترافية، خاصة في لحظة مصيرية تحتاج فيها الدولة لمواجهة حملات العزل والتجميد والمحاور المتداخلة.
*كما أن غياب وزير الخارجية – أو بالأحرى تغييبه – في هذا التوقيت الحساس، أضعف الموقف الوطني، وسهّل تمرير قرار كهذا دون حتى استشارة أو مراجعة الطرف السوداني.
*الدلالات والقراءة الأوسع:*
* *تحييد السودان أفريقيًا:* عودة بلعيش دون تنسيق أو تشاور مع الخرطوم دليل على أن السودان بات يُدار في الفضاء الإفريقي كـ"ملف"، لا كـ"طرف".
* *انتصار الأجندة الخارجية:* الإمارات وأذرعها – خاصة داخل قحت – تجد في بلعيش ممثلًا مناسبًا لتمرير مخططاتها من بوابة الاتحاد الإفريقي.
* *فقدان زمام المبادرة:* لم تُوظف الحكومة السودانية التغيير في رئاسة مفوضية الاتحاد لصالحها، بل فرّطت فيه، وسمحت بعودة رموز "الحقبة الفاشلة".
*الأبعاد المتوقعة:*
* عودة سيناريوهات الضغط السياسي تحت غطاء الوساطة، ومحاولات جديدة لإحياء المسارات القديمة الفاشلة مثل "الإطاري" و"الآلية الثلاثية".
* اختراق الموقف السوداني من الداخل، عبر نوافذ خارجية مغلّفة بطابع إفريقي".
*خلاصة القول ومنتهاه:*
* إن إعادة محمد بلعيش مبعوثًا إلى السودان ليست مجرد خطأ إداري من الاتحاد الإفريقي، بل انعكاس مباشر لعجز الخرطوم عن الإمساك بعلاقاتها الحيوية، وخطأ استراتيجي ترك فراغًا ملأه خصوم السودان بوعي كامل.
*فإما أن تتحرك الدولة الآن، وترسل رسالة واضحة ترفض هذا التعيين، وتقدم ملفًا كاملاً يوثق انحراف بلعيش عن مهامه سابقًا، وإما أن نُسلّم بمشهد يُدار من الخارج، بمبعوثين معادين، ومصالح لا ترى في السودان سوى ساحة لتصفية الحسابات