✍ أحلام محمد الفكي : الخرطوم ؛ صراع العودة وقسوة الواقع .. العد التنازلي الأخير !

في غمار أزمة طاحنة ألقت بظلالها على كل بيت في السودان، تضع حكومة ولاية الخرطوم موظفيها أمام خيار صعب، أو بالأحرى، قرار قاسٍ قد يحدد مصير الآلاف. الأول من أغسطس 2025، إنه الموعد الأخير، الخط الفاصل بين بصيص الأمل وخيبة الأمل العميقة، الموعد الذي حددته ولاية الخرطوم لـ "توفيق أوضاع العاملين". إنها مهلة أخيرة تلوح في الأفق، بينما المدينة نفسها لا تزال تحت أنقاض حرب لم ترحم بشرًا ولا حجرًا.
أعلن الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم ورئيس لجنة عودة العاملين، الهادي عبدالسيد، أن الأول من أغسطس هو الموعد النهائي لتسليم طلبات الإجازات السنوية أو القصوى أو بدون مرتب. مناشدة تحمل في طياتها الكثير من الضغط، موجهة إلى كل من لم يتمكن من العودة في 15 يونيو الماضي، ليتأكدوا من استلام شهادات إجازاتهم قبل حلول هذا التاريخ. إنه إنذار صريح، يكشف عن حقيقة مرة: إما العودة إلى المجهول، أو المغادرة إلى المجهول الأكبر.
لقد كانت الولاية قد قطعت الإجازة المفتوحة التي منحتها للعاملين منذ اندلاع شرارة الحرب في 15 أبريل 2023. قرار العودة في 15 يونيو 2025 كان بمثابة صدمة، في ظل واقع ما زال ينزف. وعلى الرغم من حديث الولاية عن "المرونة" في تطبيق القرار، إلا أن الواقع على الأرض يبدو أكثر تعقيدًا ووحشية.
كثر الحديث عن العودة إلى الخرطوم، تلك المدينة التي كانت ذات يوم قلب السودان النابض، والآن أصبحت مدينة أشباح، تحمل ندوب الحرب في كل زاوية. لكن هل العودة آمنة؟
وهل هي ممكنة من الأساس؟
كثير من قادة المجتمع والإعلاميين، بعد زيارتهم للخرطوم ورؤيتهم للدمار بأعينهم، حذروا بشدة من هذه العودة المتسرعة. المنازل والمؤسسات تحولت إلى ركام، والحياة اليومية ما زالت بعيدة كل البعد عن الاستقرار.
إن الرغبة في العودة تسيطر على الجميع، لكن الخوف يتملكهم. خوف من الانفلاتات الأمنية التي ما زالت قائمة، خوف من المستقبل المجهول. أين سيقيم العائدون ومنازلهم دمرت وأصبحت خرابًا؟
هذا السؤال المؤرق يطارد آلاف الأسر التي فقدت كل ما تملك.
والأدهى من ذلك، أن العديد ممن عادوا وأنهوا إجازاتهم لم يتم تسليمهم عملًا حتى الآن. فما معنى العودة إذًا؟
هل هي مجرد إجراء شكلي؟
في ظل هذه الظروف العصيبة، يصبح إلحاح الولاية على عودة الموظفين أو أخذ إجازات قصوى أو بدون مرتب، وصولاً إلى الفصل، إشارة واضحة. إنها لغة الأرقام الصارمة التي تتحدث عن ضائقة مالية حادة. هذه التحذيرات لا تشير إلا إلى أن الدولة باتت غير قادرة على تحمل مرتبات العاملين، في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الموظف والعامل على حد سواء.
إنها معادلة صعبة: العودة إلى مدينة منكوبة، أو مواجهة شبح الفصل وفقدان مصدر الرزق الوحيد. إنه ليس مجرد قرار إداري، بل هو حكم يلقي بتبعاته على آلاف العائلات التي تئن تحت وطأة الحرب والفقر. إنها تحذيرات تتكرر، لكنها هذه المرة تحمل في طياتها ثقل اليأس والضياع. اذا يظل التساؤل قائما هل من حل يلوح في الأفق لهذه المعضلة الإنسانية والاقتصادية المعقدة؟
أملنا فى الله كبير واملنا وثقتنا فى حكومة الأمل...
ونواصل أن شاءالله .