✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ هل خرجت وطنيتنا ولم تعد؟

دائما تراودني فكرة الوطنية لدي السودانيين وكيف نقيسها وازدادت قناعتي اكثر خلال الحرب وماحدث من اختلال في موازين عديدة تمس شريان الوطنية لدي الكثير من افراد الشعب السوداني يبدو أن هذا السؤال أصبح يطوف في أذهان كثير من السودانيين اليوم، بعد أن طغت رائحة الحرب على عبير التراب، وتفرّق الناس بين نازح ومهجّر، ومقاتل وحالم بالسلام.
هل فعلاً خرجت وطنيتنا من بيننا ولم تعد؟ أم أنها فقط اختبأت خلف غبار الألم تنتظر من ينفض عنها الغبار؟
الوطنية ليست نشيدًا يُقال، ولا علمًا يُرفع فحسب، بل هي إحساس دفين بالمسؤولية والانتماء. الوطنية أن نحزن حين يتألم الوطن، وأن نفرح حين يبتسم. لكننا اليوم، وسط هذا الخراب العظيم، نشعر أحيانًا أن الوطنية قد غادرتنا، وأن المصالح الشخصية والقبيلة والانتماءات الضيقة حلّت محلها.
لقد انهارت قيم كثيرة، وضعُفت الروابط التي كانت تجمعنا، حتى صار البعض يرى الوطن كعبء لا كنعمة. لكن الحقيقة المؤلمة أن الوطنية لا تموت، بل تضعف حين تُهمل، وتختفي حين تُخون، وتختبئ حين يُستبدل صوتها بصوت السلاح.
وطنية السوداني لا تُقاس بالشعارات، بل بالمواقف، بالقدرة على أن يحب رغم الخذلان، وأن يبني رغم الدمار، وأن يحلم رغم الرماد. ولعل ما نراه اليوم ليس موتًا للوطنية، بل اختبارًا لها، امتحانًا حقيقيًا لصبرنا وصدق انتمائناعلينا أن نعيد للوطنية معناها الحقيقي، أن نُحييها في التعليم، في الإعلام، في البيوت، وفي ضمائرنا قبل كل شيء. فالوطنية التي تغادر لا تعود بالندم، بل بالعمل، بالصدق، وبالتضحية.
ربما خرجت وطنيتنا من المشهد العام، لكنها لم تخرج من القلب السوداني.
هي هناك... تنتظر من يعيدها إلى مكانها الطبيعي، إلى صدورنا، إلى أفعالنا،
قد تتوارى الوطنية حين تشتد العواصف، لكنها لا تموت، لأن جذورها ممتدة في عمق تراب السودان. وما نعيشه اليوم ليس نهاية الحكاية، بل فصل مؤلم منها، سيعقبه فجر جديد إذا أعدنا الثقة بأنفسنا وبوطننا.
فلنبحث عنها في ضمائرنا، لا في الشعارات، ولنعمل على إعادتها بالصدق والإخلاص والعمل لا بالكلام.
فالوطن لا يعود إلينا إلا إذا عدنا إليه نحن أولًا، بقلوب صادقة، ونفوسٍ مستعدة لأن تبني من جديد ما تهدّم، وتكتب سطر الأمل القادم: السودان وطننا، وسيظل لنا مهما طال الغياب السودان الذي نحلم به جميعًا وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل