رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار

✍ عزمي عبد الرازق : المدعو محمد محمد خير ومٓلِكه العريان ”الحلقة الثانية”

يُروى عن الشيخ مصطفى الأمين، رجل الأعمال المعروف، وصاحب الحكمة والرؤية البعيدة، أنه زار أحد مصانعه يوماً ففوجئ بأن المدير غير موجود. فسأل عنه، فأجابه أحد العمال قائلاً: "المدير يا سعادتك في إجازة سنوية في القاهرة منذ شهرين!"

فسألهم الشيخ مصطفى: "هل لديكم مشاكل؟ هل تعطل العمل؟ هل لم تُصرَف الرواتب؟"

فقالوا له: "كل شيء تمام يا شيخ مصطفى، والعمل يسير بصورة طبيعية."

عندها قال كلمته التي ظلت تُروَى إلى اليوم: "يا أولادي… إذا غاب المدير شهرين ولم يشعر أحد بغيابه، ولم يتأثر العمل، فلا داعي لوجوده؟ اعتبروه مرفود !"

هذه القصة لا تحتاج إلى تعليق، فهي تختزل الكثير. وهي، بصورة رمزية، تشبه تماماً حكاية المستشار محمد محمد خير وملكه العريان؛ طالما أن دولاب الدولة لم يتأثر بغيابهما، أو بغياب أحدهما، والأمور تسير بلاهما، فالقول ما قاله الشيخ مصطفى الأمين.

دعوني أعود إلى الوراء قليلًا، هناك حلقة مفقودة يصعب تجاهلها، وذلك قبل انقلاب حميدتي على الدولة بما يقارب الشهرين تقريباً، إذ كنا في ذلك المساء ضيوفاً على الزميلة نسرين النمر في قناة النيل الأزرق، وكانت الميليشيا آنذاك تحشد قواتها لساعة الانقضاض، وكان الجدل كله يدور حول الاتفاق الإطاري وكيفية دمج الدعم السريع في القوات المسلحة. حذّرتُ يومها، بوضوح، من مواجهة وشيكة، وأن الدعم السريع يزحف لابتلاع الدولة.

أما محمد محمد خير، فكان يدافع عن قائد الميليشيا دفاعاً مستميتاً، ويتودد إليه على طريقة "حكامات" المليشيا، وبعد الحلقة مباشرة، تلقى مكالمة من عثمان عمليات، وأرسل له الأخير سيارة خاصة نقلته إلى مقر حميدتي. وهناك، جلس الرجل يستمع إلى ما يخطط له دقلو، الذي كان يتباهى بقوته وبما يراه نصراً قادماً على الفلول.

ولم يفوّت المستشار الفرصة؛ فحدثه عن مرضه وتكاليف علاجه، وهي قصة تسوّل اشتهر بها، وحقق من ورائها أموالًا طائلة، نسأل الله له الشفاء والعافية. ومنذ ذلك اللقاء، تخلَّقَتْ علاقة مريبة بين الطرفين، وقدّم محمد خير نفسه لهم كمستشار—وهو وصف فوضوي يجيد اللعب عليه تزلُّفًا، وينطبق عليه القول الهازئ: "خاب من استشار"، أو بالأحرى من استشار محمد محمد خير، الذي يتعامل مع السياسة على طريقة "بلة الغائب"، خلطة رديئة من التكهنات والحليفة بالطلاق.

المهم بعد ذلك ظهر إلى جانب الأمين العام للحركة الإسلامية الشيخ علي كرتي، وتودد إليه بالأسلوب نفسه. لكنه، في الحقيقة، كان يقوم بمهمة تجسسية لصالح الميليشيا، وتمكّن من رسم خريطة دقيقة لما يفكر فيه كرتي. وربما كان ذلك أحد أسباب الرواية المضللة التي روّجتها الميليشيا لاحقاً حول "الرصاصة الأولى"، ونسبتها للإسلاميين، بالتركيز تحديداً على كرتي وأسامة عبدالله، اللذين كان يحوم حولهما هذا المستشار الكسول. وهنا لا بد من طرح سؤال المليون دولار: هل انقطعت علاقة محمد محمد خير بعثمان عمليات ودقلو فعلًا؟ أم أن أكثر المواقف صخباً وتطرفاً، ليست سوى غطاء لإخفاء أشد المواقف انتهازية، وفقًا لمقولة محمد حسنين هيكل؟!

أما بخصوص علاقتي بالدكتور كامل إدريس، فهي تمتد لأكثر من خمسة عشر عاماً، وهذا أمر يعرفه كل الأصدقاء، وقد سعيت كثيراً ليصبح رئيساً للحكومة، وكان يحدثني عن أفكار وبرامج واعدة، وتوليت إدارة حملته الانتخابية الأولى والثانية دون أن أتقاضى مليماً واحداً لنفسي، باستثناء مبالغ صغيرة للمواد الإعلانية المنشورة في الصحف، ولو كانت مواقفي الداعمة له بمقابل، فهو مدين لي بالكثير، لكن كامل إدريس اشتهر بالبخل، وهذا معروف في محيطه الاجتماعي، رجل ينفق الوعود أكثر مما ينفق المال. ومع ذلك لم أتعامل معه كصفقة تجارية إطلاقاً، بل كنت أظن أنه قد ينجح، وكنت أبني ذلك على معطيات فصلتُها في كتابات منشورة على هذه الصفحة، لكن اتضح لي لاحقاً أنني كنت على خطأ، وأقر بذلك، حتى أنني، في مرحلة ما، شككت أن رئيس الوزراء الحالي هو نفسه كامل إدريس الذي عرفته ودافعت عنه.

وأقولها بصدق: كل ما قدمته له من جهد، احتسبته عند الله، ولا أريد مقابلًا، ولم أتسلم منه دولاراً واحداً، وهو يعرف ذلك، ويعرف أن مستشاره يكذب، ويلوي عنق الحقيقة، أنا هنا، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ بلادنا، لا أبتغي سوى الإصلاح ما استطعت. وأعتقد، بل أوقن، أن دورنا كصحفيين هو الرقابة على أداء الحكومة، وعدم التساهل مع الفساد أو الفشل. نحن سلطة رابعة، يُعوَّلُ علينا الناس، ولا يحق لنا أن نخذلهم، أيً كان الترهيب والترغيب.

نواصل…