رؤية جديدة السودان

رؤية جديدة السودان

قناة رؤية جديدة
أهم الأخبار
ملخص المساء الأخباري الإثنين 2025/11/10م وزير الدولة بالمالية يبحث مع والي أنقرة مجالات التعاون في إعادة الإعمار ✍ الطاهر ساتي : كلهم حلا و أبولولو..!! ✍ د. إبراهيم الصديق علي : اللقاء ؛ إنتقالات جديدة لقاءات دبلوماسية لوزير الخارجية مع تركيا والسعودية والمنظمة الدولية للهجرة ✍ د. طارق عشيري : همسة وطنية ؛ السودان قوة وعزة وشموخ ✍ عبدالمنان آدم : دارفور بعد عامين من الحرب ؛ هل يمكن أن تؤسس مليشيا الدعم السريع سلطة مستقرة؟ الخرطوم تقرر توزيع الدفعة الأولى من محولات الكهرباء للمرافق الخدمية ومناطق الكثافة السكانية وزارة الثقافة والإعلام والسياحة : قناة ”سكاي نيوز عربية” ممنوعة من العمل في السودان، ولا تمتلك أي تصريح أو تصديق يخولها مزاولة... وزير شؤون مجلس الوزراء تبحث مع مدير منظمة الهجرة الدولية تقديم الدعم اللازم للنازحين وكيل وزارة الطاقة يعد بتوفير المحولات ذات الأولوية القصوى لولاية الجزيرة وزارة الصحة : تراجع إصابات حمى الضنك وتقدّم في تأهيل مرافق الخرطوم الصحية

✍ عبدالمنان آدم : دارفور بعد عامين من الحرب ؛ هل يمكن أن تؤسس مليشيا الدعم السريع سلطة مستقرة؟

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، شهدت البلاد واحدة من أعنف الحروب في تاريخها الحديث، إلا أن المشهد في إقليم دارفور اتخذ طابعًا أكثر مأساوية ودموية. فبعد أكثر من عامين من القتال، تمكنت مليشيا الدعم السريع من السيطرة الكاملة على الإقليم عقب انسحاب الجيش من مدينة الفاشر آخر معاقل القوات المسلحة في غرب السودان.

ورغم أن الجيش السوداني صدّ أكثر من 270 هجومًا متتاليًا على الفاشر، فإن الحصار الطويل ونفاد الإمدادات العسكرية والإنسانية جعلا سقوط المدينة ، مما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحولات الأمنية والسياسية والاجتماعية في دارفور.

بسط الدعم السريع سيطرته على الولايات الخمس لدارفور: شمال، جنوب، غرب، شرق، ووسط دارفور، وهو ما جعله القوة العسكرية الوحيدة فعليًا في الإقليم. إلا أن هذه السيطرة لا تعني بالضرورة القدرة على الحكم أو فرض الاستقرار.

فالمجتمعات المحلية من الفور والمساليت والزغاوة وغيرهم وجدت نفسها بين خيارين: الخضوع المؤقت خوفًا على أرواحها أو النزوح الجماعي نحو مناطق أكثر أمنًا، داخل وخارج السودان.

الواقع أن ما يجري في دارفور اليوم ليس مجرد صراع عسكري، بل هو صراع على البنية الاجتماعية والسيادة المحلية. فالمليشيا التي يغلب على تكوينها الطابع القبلي العربي الرعوي، تسعى لفرض واقع جديد يقوم على القوة والسلاح، في مقابل مجتمعات زراعية مستقرة تاريخيًا لها نظمها العرفية وقياداتها الأهلية الراسخة.

غير أن أغلب هذه القيادات لا تزال ترفض الاعتراف بشرعية المليشيا، رغم أن بعضها مضطر إلى التعامل معها لحماية المجتمعات المحلية من الانتهاكات.

هل تتجه دارفور نحو "النموذج الليبي"؟

يرى عدد من المراقبين أن الوضع في دارفور يشبه إلى حدٍّ ما النموذج الليبي بعد سقوط القذافي، حيث ظهرت سلطة عسكرية محلية (حفتر) في الشرق، وسلطة سياسية مدنية في الغرب، وسط حالة من الانقسام والاقتتال القبلي.

إلا أن المقارنة بين الحالتين، برغم وجاهتها الظاهرية، تفتقر إلى الواقعية في العمق.

ففي ليبيا تمتلك القبائل العربية والجهوية تقاليد سياسية وعلاقات متداخلة بين الشرق والغرب والشمال، أما في دارفور فإن النسيج الاجتماعي أكثر هشاشة، والانقسام القبلي أعمق بكثير، فضلاً عن أن المكونات غير العربية التي تشكل أغلب سكان الإقليم لا يمكن أن تقبل حكمًا مفروضًا عليها بالقوة من مليشيا ذات طابع عرقي محدد.

كما أن دارفور ليست كتلة قبلية واحدة، بل فسيفساء من الهويات التاريخية المتجذرة، مما يجعل أي مشروع "حكم ذاتي" تقوده مليشيا الدعم السريع محكومًا بالفشل على المدى القريب

من الناحية الأمنية، تعاني مناطق دارفور من انفلات واسع وغياب تام لمؤسسات الدولة. تنتشر الجريمة المنظمة وعمليات النهب والاختطاف، إضافة إلى الاقتتال الأهلي الذي يغذيه الصراع على الموارد بين الرعاة والمزارعين.

كما أدت الحرب إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص من الإقليم، ما جعل دارفور واحدة من أكبر مناطق الكوارث الإنسانية في العالم اليوم.

أما اقتصاديًا، فقد انهارت الأسواق المحلية وتوقفت الأنشطة الزراعية، وأصبحت الموارد تدار بعقلية الجباية والنهب أكثر من كونها منظومة إنتاجية. وهو ما يجعل أي محاولة لتأسيس "سلطة مدنية" في ظل هذه البيئة أمرًا مستبعدًا دون عودة الدولة المركزية أو وجود قوة ردع إقليمية.

يحاول الدعم السريع منذ فترة توظيف علاقاته الإقليمية، خاصة مع بعض القوى في تشاد وليبيا والإمارات، لكسب اعتراف أو دعم غير مباشر، مقابل السماح بمرور طرق التجارة أو تأمين الحدود.

لكن هذه التحالفات تبقى محدودة التأثير، لأن العمق الاجتماعي والسياسي في دارفور لا يمنح المليشيا شرعية حكم طويلة الأمد.

كما أن وجود قوات الحركة الشعبية شمال في جنوب كردفان كحليف للمليشيا يثير قلقًا إقليميًا من إعادة إنتاج سيناريوهات التمرد المسلح والانقسام الجغرافي.

من غير المرجح أن تنجح مليشيا الدعم السريع في تأسيس سلطة مدنية مستقرة في دارفور، وذلك لعدة أسباب جوهرية:

1. انعدام الشرعية الاجتماعية والسياسية للمليشيا داخل الإقليم.

2. التناقض البنيوي بين المكونات القبلية (العربية الرعوية مقابل القبائل الزراعية المستقرة).

3. الضغوط الدولية المتزايدة على المليشيا بسبب الانتهاكات والجرائم الموثقة.

4. الاعتماد على الدعم الخارجي دون بناء مؤسسات حقيقية للحكم.

5. استمرار المقاومة الشعبية والعسكرية، سواء عبر خلايا الجيش أو القوى المحلية الرافضة للهيمنة.

بناءً على ذلك، يبدو أن مستقبل دارفور على المدى القصير يتجه نحو مزيد من الفوضى الأمنية والانقسام القبلي، وربما نحو نشوء سلطات أمر واقع محلية متنافسة، إلى أن يُعاد تشكيل الدولة السودانية في تسوية وطنية شاملة تعيد دمج الإقليم ضمن مؤسسات الدولة.