✍ إبراهيم عثمان : عن ”مناورة” روبيو وخفة سلك!
* خالد عمر يوسف: (روج دعاة الحرب قبل يومين لتصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو باعتبارها تتسق مع رؤيتهم لاستمرار الاقتتال في السودان، بل ذهب بعض خفاف العقول للقول بأنه قد شيع مبادرة الرباعية بالكامل لمثواها الأخير. بالأمس جرى اتصال بين وزيري الخارجية الأميركي والإماراتي، وقد ورد حسب تلخيص الخارجية الأميركية بأن الوزير روبيو قد "شدد على أهمية التوصل إلى وقفٍ إنساني لإطلاق النار في السودان. وأكد الوزير والشيخ عبدالله على عمق العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة")
حديث خالد عمر هو ــ في الجوهر ــ تشويش على حديث الوزير الأمريكي إن كان الأخير قد قصد به كسب ثقة رافضي العدوان الإماراتي، وإقناعهم بأن أمريكا غير منحازة "لحليفها الاستراتيجي" على حساب دمار السودان، وهو تشويش ناتج من الخفة وعقلية المغالبة، وتفضيل "فرض" المبادرة الرباعية بدلاً من إقناع الناس بعدالتها وعدالة قطبها الرئيسي!
١. لم يكن في الترحيب "اتساق مع رؤية لاستمرار الاقتتال في السودان" كما ادعى ، بل كان ــ كما يعلم بالتأكيد ــ ترحيباً بتشديد الوزير على أن الميليشيا مجرمة، وأن إجرامها منهجي، وأن تصنيفها كمنظمة إرهابية وارد، وأن الدولة التي تمدها بالسلاح، والدول التي تمرره، تسهم في هذا الإجرام، وإن هذا كله يجب أن يتوقف، وأن الضغط سيستمر لوقفه. وهذا موقف طبيعي يتسق مع رؤية الساعين لإنهاء العدوان، ومن يضيق بالترحيب، ويتدخل لإعادة تفسيره، ولنفي وجود سبب إيجابي له، هو من يحتاج لتبرير موقفه!
٢. لو لم تحمل تصريحات الوزير الأمريكي موقفاً ضد الميليشيا وأجرامها وضد قيام الإمارات بتسليحها لبادر إعلام الإمارات والميليشيا، و"صمود"، "بترويجها"، ونشرها على أوسع نطاق، ولما احتاج خالد عمر لانتظار االترحيب بها، والتعليق عليه بطريقة تثبت ضيقه! و"لاقتبس" منها، ولما احتاج إلى اتصال من الوزير الأمريكي بالإمارات يؤكد فيه على "عمق العلاقة الاستراتيجية"، ويخلو من الحديث عن "الضغط" لوقف التسليح الذي تحدث عن وجوده، ووعد باستمراره. ليقول ــ أي خالد ــ لرافضي العدوان: خاب ظنكم، فروبيو مع الإمارات .. وبالتالي معنا!
٣. رغم مصالح كثير من الدول مع الإمارات، ووجود صداقات قوية تربطها ببعضها، ومن بينها أمريكا، فشلت في إقناع أي دولة بأن تنفي تدخلها في الحرب، أو بأن تنفي طبيعته العدوانية، أو أن تدافع عنها بحجج "الدعم الإنساني"، وتعرضها "لشيطنة" متعمدة، ولو كانت هناك أقل فرصة لإثبات براءتها من التدخل، أو لإثبات عدم عدوانيته، لوجدنا عدة دول تساعد خالد عمر يوسف وحمدوك وبقية قادة "صمود" في مهمتهم الدفاعية!
٤. قال في متن مقاله: (سيأتي مجدداً ذات من ينشطون في تضليل الناس للحديث عن السيادة وعدم التدخل الخارجي، بعد أن احتفوا بموقف خارجي ظنوا أنه يطابق هواهم. هؤلاء قوم لا يعيرون للاتساق وزناً، ولا يتورعون عن الكذب بلا حدود.). والحقيقة لم يقل أحد ممن يعنيهم إن أي موقف خارجي هو تدخل في السيادة، فالتدخل الذي يمس السيادة هو ما تمارسه الإمارات من عدوان، وكذلك محاولة فرض الحل الذي يطابق هواها، وهو ليس جاهلاً ليغيب عنه أن إدانة العدوان ليست تدخلاً في السيادة لكنه يتذاكى ــ ويتغابى في ذات الوقت ــ ليزعم بأن الترحيب بإدانته والمطالبة بوقفه يخالف رؤية رافضي العدوان بخصوص السيادة، ويظهر تناقضهم وعدم اتساق مواقفهم!
٥. يقول ("ظنوا" أنه يطابق "هواهم"). والحقيقة أن إدانة روبيو لإجرام الميليشيا وانتقاد تسليحها، والإشارة إلى الدول التي تمرر السلاح، وحديثه عن وجود ضغوط لوقف ذلك يطابق رغبة ــ 'هوى" بالمعنى الإيجابي للكلمة -- كل سوداني حر لم يبع ضميره. وإن كان هذا كله مجرد “ظن” كما يحاول خالد تصويره، وإن كان الوزير "يناور" ويخاطب رغبة الناس بكلام غير جدي، فهذا أدعى للتشكيك في صدق أميركا وفي المبادرة الرباعية التي يصفها بأنها “نموذج للدور الخارجي المحمود”. وبذلك ترتد عليه تهمة “عدم الاتساق” التي أشهرها في وجوه رافضي العدوان!
قد يكون خالد عمر محقاً في دعواه أن تصريح الوزير لا يحمل جديداً “حقيقياً” على مستوى السلوك، وقد يكون فعلاً مناورة. لكن لا أحد من رافضي العدوان غافل عن هذا. فهم ببساطة، يأخذون المحتوى الموضوعي من التصريح، أي إدانة الميليشيا والإمارات والدول التي تعاونها، ويتركون الحكم على جدية أميركا لسلوكها العملي.


