✍ عبدالمنان أبكر عمر : الضربة الإسرائيلية داخل العمق الإيراني .. قراءة في الأبعاد الإستراتيجية وردود الفعل المحتملة

في تطور غير مسبوق نفذ الجيش الإسرائيلي ضربة عسكرية داخل العمق الإيراني استهدفت مواقع عسكرية حساسة تضمنت مراكز أبحاث وتطوير نووي ومقار لقيادات عليا في الحرس الثوري إضافة إلى علماء مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني. هذه العملية تمثل نقلة نوعية في نمط الاشتباك غير المباشر بين إسرائيل وإيران وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي قد تتخطى حدود الضربات التقليدية في سوريا أو العراق.
تأتي الضربة في توقيت دقيق يشهد تصاعدًا في التوترات بين إيران والغرب خاصة بعد فشل المفاوضات النووية وتزايد نشاط إيران في تخصيب اليورانيوم. كما تعكس العملية تحوّلًا في قواعد الاشتباك ورسالة حازمة بأن الخطوط الحمراء الإسرائيلية قد تم تجاوزها خاصة في ظل تقارير استخباراتية عن اقتراب إيران من "العتبة النووية".
تزامنت الضربة مع انشغال العالم بأزمات أخرى (أوكرانيا، غزة، البحر الأحمر) ما يشير إلى أن إسرائيل استغلت اللحظة الجيوسياسية لتوجيه ضربة موجعة دون خشية من ردود فعل دولية صارمة.
لا يبدو أن العملية هدفت فقط إلى التدمير المادي للمواقع المستهدفة بل كانت تسعى أيضًا إلى زعزعة ثقة الإيرانيين في أجهزتهم الأمنية وإرسال رسالة للنخبة الحاكمة مفادها أن "الداخل لم يعد آمنًا".
من السيناريوهات الإيرانية المحتملة للرد قد تلجأ إيران للرد غير المباشر عبر أذرعها الإقليمية كحزب الله في لبنان أو المليشيات في العراق وسوريا واليمن وذلك لتجنب الدخول في مواجهة شاملة تُضعف موقفها داخليًا وخارجيًا. في حال قررت إيران التصعيد المباشر قد تلجأ إلى استهداف شخصيات أو مواقع إسرائيلية نوعية عبر عمليات سرية أو سيبرانية مع الحرص على عدم ترك بصمات واضحة. يمكن أن تتجه إيران إلى رفع سقف خطابها السياسي والانسحاب من المزيد من بنود الاتفاق النووي أو حتى تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدفع القوى الغربية إلى إعادة النظر في دعمها لإسرائيل.
الدور المتوقع للقوى الإقليمية والدولية : الولايات المتحدة رغم العلاقة الوثيقة مع إسرائيل فإن واشنطن لا ترغب في إشعال مواجهة إقليمية واسعة. وقد تمارس ضغوطًا لاحتواء الموقف دون أن تدين العملية صراحة.
روسيا والصين من المتوقع أن تدين الضربة وتستغلا الحدث لتأكيد الحاجة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب وتقديم نفسيهما كحليفين موثوقين لطهران في وجه العدوان الغربي.
القوى الإقليمية : السعودية ودول الخليج قد تلتزم الحذر وعدم الانحياز العلني لأي طرف مع متابعة التطورات بقلق خشية امتداد التصعيد إلى المنطقة.
تركيا ستستثمر الحادث في تعزيز خطابها الرافض للتدخلات الغربية والإسرائيلية وقد تحاول التوسط تهدئة.
سوريا والعراق سيكون لهما دور غير مباشر من خلال تسهيل أو منع ردود إيرانية عبر أراضيهما ما قد يزيد الضغط على حكوماتهما.
التداعيات المحتملة على المدى القريب والمتوسط تصعيد العمليات السيبرانية بين الجانبين. زيادة التوتر في الخليج ومضيق هرمز مع احتمالات لاستهداف مصالح غربية. نمو تأثير محور المقاومة وتنامي التعبئة الإعلامية في العالم الإسلامي. انكماش فرص الحل السياسي للملف النووي واتساع هوة الثقة بين طهران والغرب.
الضربة الإسرائيلية داخل العمق الإيراني ليست مجرد عملية عسكرية بل هي محطة فاصلة في صراع ظلّ لفترة طويلة يدور في الخفاء أو على أراضي الغير. الرد الإيراني لن يكون سهلًا أو مباشرًا لكن الأكيد أن قواعد اللعبة القديمة لم تعد قائمة وأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من التوازنات الهشة والرسائل الحادة. على القوى الإقليمية أن تعيد حساباتها بسرعة لأن أي شرارة جديدة قد تتحول إلى حريق يصعب احتواؤه.