✍ آمنة السيدح : تنظير ؛ حج الإرادة
حينما تتناسل الأزمات وتشتد وطأة الحرب على كل تفاصيل الحياة، يصبح الإصرار علامة ودليل على مواصل الحياة بكل تفاصيلها، وتقف ولاية الخرطوم شاهدة على الارادة والعزيمة القوية لاعادة الحياة إلى طبيعتها.
سادتي أعتقد أن أكبر تجربة وأصعبها هي إصرار ولاية الخرطوم على إقامة موسم الحج 1446هـ وكان عملاً يفوق حدود الإدارة. فما أن تسمع حديث والي الخرطوم في ورشة تقييم وتقويم حج عام 1446هـ عن تجاوز العقبات التي واجهت موسم الحج، حتى تدرك أن في هذا الوطن رجالاً ونساءً يعملون بصمت ليحافظوا على هذا البلد الذي يستحق أن يحافظ أبنائه عليه ويحرصون على بنائه.
سادتي لم يتحدث الوالي عن موسم عادي، بل عن موسم حج أقيم وسط فقدان المعينات اللوجستية والخدمية، فولايةٍ كانت ميداناً للنزوح والدمار، ومع ذلك أصرّت حكومة الولاية وأمانة الحج والعمرة على أن لا يُحرم الحجاج من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، فكان التنظيم والتنسيق، وكانت العزيمة التي تتحدى الانكسار.
ورغم كل المجهود الجبار الذي قدم إلا أن تحسين الأداء وتقويته يظل هم القادة، فهم يريدون تقديم الأفضل لذا أعتقد أن توجيهات الوالي تصب في هذا الإتجاه، فقد وجّه بضرورة مراجعة آليات تسديد الرسوم، وتجويد الخدمات، وتحسين بيئة السكن والترحيل، وظني أن توجيهات الوالي كانت في الحقيقة رسالة أعمق، توكد أن الدولة رغم الحرب لا تزال قادرة على إدارة شؤون الناس بوعي ومسؤولية. وأن الاهتمام بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ليس تفصيلاً إدارياً، بل موقفا إنسانيا وأخلاقيا يستحق الإشادة.
سادتي إن ما قامت به ولاية الخرطوم وأمانة الحج ليس مجرد إنجاز موسمي، بل هو إنتصار رمزي لمعنى الدولة في أوقات الانهيار. أن تفوج أكثر من ألف ومئتي حاج في ظروف كهذه يعني أنك تؤمن بأن الحياة يجب أن تستمر، وأن العبادة يمكن أن تكون جسراً للتماسك الاجتماعي والروحي وسط الدمار.
لقد نجح موسم الحج هذا العام، لكنه في جوهره نجاح للإرادة السودانية التي ترفض أن تنكسر، وتصرّ على أداء المناسك كما تصرّ على البقاء.
فالحجّ هذا العام لم يكن رحلة إلى مكة فحسب، بل كان رحلةً أخرى نحو الذات، نحو الصبر، ونحو الإيمان بأن ما ضاع من الوطن يمكن أن يعود حين تبقى القلوب معلّقة بالسماء.
سادتي لابد لنا أن نقدم التحايا لولاية الخرطوم ولأمين الحج والعمرة فيها، الأستاذ سمير على الجزولي الذي قبل التحدي الصعب ونجح فيه بجدارة، فهو ممن يهتمون بالتفاصيل فكانت التجربة التي يمكن أن نضعها في سفر ولاية الخرطوم الناصع.


