✍ محمد حامد جمعة نوار : في منزلي

غشيني اليوم ولاول مرة منذ عامين حزن . واغتمت نفسي لدرجة اني منذ ساعات أقاوم رغبة في البكاء . فقد زرت ولاول مرة منذ أغسطس 2023 . شقتي . منزلي . بيتي . وكنت قد خرجت منه مطرودا بالرصاص الذي لا يزال نخره على الباب ! وإن صارعه الغبار !
للأمانة تجنبت العودة لتفقد منزلي . ربما لطبع خشن عندي يميل للواقعية. فمنذ أن خرجت مطرودا (لاحقا تبين أن من أرسل القوم جار لطالما إرتبت في أسئلته ونظراته التي يسيل منها الغدر رغم حرصه) فمنذ ان خرجت قررت أن تلك رحلة في الحياة انتهت ووطنت نفسي على بدايات جديدة . غير ان اهجان من الشوق والحنين لزوايا ذاك السكن حملتني اليوم بين الطوع والتردد الى منزلي . الذي حينما وصلته إستغرق مني الوقت ما استغرق لطرق باب البناية . سكني بالطابق الارضي . وكنت قد لاحظت شاب على السطح .هبط مسرعا تسبقه إبتسامة وترحيب حميم أزال بعض تلعثمي .
2
دخلت فوجدت أن اسرة يبدو انها مجلوة من مكان قد أستغرقت ببعض الشقق . كانوا للأمانة قمة في التهذيب والوداعة . اتت والدتهم .سمراء فارعة رتبت لي مجلسا كنت اقول عليهم عبارة واحدة (حمدا لله على السلامة . عساكم انتم بخير) ثم عرفت نفسي فزاد ترحابهم بي . قلت وأنا اشير لباب شقتي المصروع (انا كنت ساكن هنا) فإرتسمت على مطالعهم ملامح أسف دلت عليه تقلصات وجوهم . ثم إستأذنت في الدخول . فقالت السيدة (شقتك بشتنوها وبعضها محروق) قلت نعم علمت . ثم أضافت تقول (دقيقة) ! ورايتها تقوم وتعود بحزمة قصاصات من صحف واوراق والبوم صور لابنائي ! وصورة قديمة لي وانا طفل . تفقدت الصور بحنين كاد ان يشل حركتي بلعت ريقي لدرجة انها بلا نداء مدت نحوي كوب ماء . كنت اتفقد الصور احدد التواريخ والشخوص . ابتسم مرات من ملامح الصغار وملامحي . ويبدو ان عيني برقت لاني لاحظت ان السيدة كانت على مشارف البكاء
3
حينما نهضت ودخلت الى الشقة ورغم الظلام والرماد والغبار وفوضى المتبقي من المبعثرات . شعرت ان الجدران عرفتني . لاول مرة منذ شهور وأشهر أحس بالفة مكان تعرفه . تحسست الزوايا راجعت زوايا مجلسي هنا أشاهد التلفاز . عند تلك الكنبة كنت اراسل المرحوم هاشم كرار . عند ذاك الكرسي لطالما جلس الشهيد العميد محمد حسين . عند هذه النقطة كنت اتلصص على ثرثرات صغار من الجيران . سرت على بقايا الحطام كأني اسير على رمل مقدس ! اخفف ثقل وزني . لسبب ما شعرت ان المكان لا يزال بذات انفاسنا القديمة . انسنا ضحكاتنا . مشاجراتنا احزاننا . انفعالاتنا وتصالحنا . شعرت لبرهة برغبة في القاء كلمة . هممت بالسلام على طيوف واحاسيس .ثم تراجعت فقد بلغني الجار الجديد وهو يحوقل وخشيت ان فعلت كلمة او خطبت ان يستعيذ من الشيطان الرجيم . فامرته بالانصراف . جلست في وسط الظلام لنصف ساعة . لا اعرف ما فعلت هل نمت ام طرت ام غصت في الزمان . ثم خرجت . لاول مرة اشعر ان رصاصة ما أصابت قلبي . لست هنا في حزن او اسى على ما فقد . أثق ان الله سيدبر أفضل ما كان لكني كنت حزينا على امور لا تقاس بالمال والأثاث . كنت اسير في الطريق الى الخروج اراجع البوم الصور وصورتي . والى الان أشعر اني لست بخير ..واني اموت